خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥
ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

أمر الله تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب فمن جهل ذلك فيه كان مولى وأخاً في الدين، فقال الناس زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة إلى غير ذلك.
وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال: أنا ممن لا يعرف أبوه فأنا أخوكم في الدين ومولاكم، قال الراوي: ولو علم والله أن أباه حماراً لا نتمى إليه.
قال الفقيه الإمام القاضي: ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة نفيع بن الحارث، و { أقسط } معناه أعدل، وقال قتادة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ادعى إلى غير أبيه متعمداً حرم الله عليه الجنة، وقوله تعالى: { وليس عليكم جناح } الآية رفع للحرج عمن وهم ونسي وأخطأ فجرى على العادة من نسبة زيد إلى محمد وغير ذلك مما يشبهه، وأبقى الجناح في التعمد مع النهي المنصوص، وقوله تعالى: { وكان الله غفوراً رحيماً } يريد لما مضى من فعلهم في ذلك، ثم هي صفتان لله تعالى تطرد في كل شيء، وقالت فرقة "خطأهم" فيما كان سلف من قولهم ذلك.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف لا يتصف ذلك بخطأ إلا بعد النهي وإنما "الخطأ" هنا بمعنى النسيان وما كان مقابل العمد، وحكى الطبري عن قتادة أنه قال: "الخطأ" الذي رفع الله تعالى فيه الجناح أن تعتقد في أحد أنه ابن فلان فتنسبه إليه وهو في الحقيقة ليس بابنه، والعمد هو أن تنسبه إلى فلان وأنت تدري أنه ابن غيره، والخطأ مرفوع عن هذه الأمة عقابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه" . وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أخشى عليكم النسيان. وإنما أخشى العمد" . وقوله تعالى: { النبي أولى بالمؤمنين } الآية أزال الله تعالى بها أحكاماً كانت في صدر الإسلام منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين، فذكر الله تعالى أنه { أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فجمع هذا أن المؤمن يلزم أن يحب النبي أكثر من نفسه حسب حديث عمر بن الخطاب، ويلزمه أن يمتثل أوامره أحبت نفسه ذلك أو كرهت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فعلي، أنا وليه، اقرؤوا إن شئتم { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }" ، وقال بعض العلماء العارفين: هو أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويؤيد هذا قوله عليه السلام
"أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش" . وشرف تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين في حرمة النكاح وفي المبرة وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات، قال مسروق قالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، فقالت لست لك بأم وإنما أنا أم رجالكم. وفي مصحف أبيّ بن كعب "وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم"، وقرأ ابن عباس "من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم"، وسمع عمر هذه القراءة فأنكرها، فقيل له إنها في مصحف أبيّ فسأله فقررها أبيّ وأغلظ لعمر، وقد قيل في قول لوط عليه السلام: { { هؤلاء بناتي } [هود: 78] إنما أراد المؤمنات، أي تزوجوهن، ثم حكم بأن أولي الأرحام أحق مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوة الإسلام وبالهجرة، فإنه كان بالمدينة توارث في صدر الإسلام بهذين الوجهين اختلفت الرواية في صفته وليس لمعرفته الآن حكم فاختصرته، ورد الله تعالى المواريث على الأنساب الصحيحة، وقوله تعالى: { في كتاب الله } يحتمل أن يريد القرآن، ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ، وقوله تعالى: { من المؤمنين } متعلق بــ { أولى } الثانية، وهذه الأخوة والهجرة التي ذكرنا، وقوله تعالى: { إلا أن تفعلوا } يريد الإحسان في الحياة والصلة والوصية عند الموت، قاله قتادة والحسن وعطاء وابن الحنيفة، وهذا كله جائز أن يفعل مع الولي على أقسامه، والقريب الكافر يوصي له بوصية، واختلف العلماء هل يجعل هو وصياً، فجوز بعض ومنع بعض ورد النظر في ذلك إلى السلطان بعض، منهم مالك بن أنس رضي الله عنه، وذهب مجاهد وابن زيد والرماني وغيره إلى أن المعنى إلى أوليائكم من المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد: ولفظ الآية يعضد هذا المذهب، وتعميم لفظ الولي أيضاً حسن كما قدمناه، إذ ولاية النسب لا تدفع في الكافر، وإنما يدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام.
و { الكتاب } الذي سطر ذلك فيه يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا، و { مسطوراً } من قولك سطرت الكتاب إذا أثبته إسطاراً ومنه قول العجاج "في الصحف الأولى التي كان سطراً"، قال قتادة وفي بعض القراءة "كان ذلك عند الله مكتوباً".