خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ
٧٥
قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
٧٦
قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
٧٧
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٧٨
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
٧٩
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ
٨٠
إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ
٨١

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

القائل لإبليس هو الله عز وجل، وقوله { ما منعك } تقرير وتوبيخ.
وقرأ عاصم والجحدري: "لَمَّا خلقت" بفتح اللام من: "لَمَّا" وشد الميم.
وقرأ جمهور الناس "بيديْ" بالتثنية. وقرأت فرقة: "بيديَّ" بفتح الياء، وقد جاء في كتاب الله:
{ { مما عملت أيدينا } [يس: 71] بالجمع.
وهذه كلها عبارة عن القدرة والقوة، وعبر عن هذا المعنى بذكر اليد تقريباً على السامعين، إذا المعتاد عند البشر أن القوه والبطش والاقتدار إنما هو باليد، وقد كانت جهالة العرب بالله تعالى تقتضي أن تنكر نفوسها أن يكون خلق بغير مماسة، ونحو هذا من المعاني المعقولة، وذهب القاضي ابن الطيب إلى أن اليد والعين والوجه صفات ذات زائدة على القدرة والعلم غير ذلك من متقرر صفاته تعالى، وذلك قول مرغوب عنه ويسميها الصفات الخبرية. وروي في بعض الآثار أن الله تعالى خلق أربعة أشياء بيده وهي: العرش والقلم وجنة عدن وآدم وسائر المخلوقات بقوله: "كن".
قال القاضي أبو محمد: وهذا إن صح فإنما ذكر على جهة التشريف للأربعة والتنبيه منها، وإلا فإذا حقق النظر فكل مخلوق فهوة بالقدرة التي بها يقع الإيجاد بعد العدم.
وقرأت فرقة: "استكبرت" بصلة الألف على الخبر عن إبليس، وتكون { أم } بينة الانقطاع لا معادلة لها. وقرأت فرقة: "أستكبرت" بقطع الألف على الاستفهام، فــ { أم } على هذا معادلة للألف، وذهب كثير من النحويين إلى أن "أم" لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين، وإنما تكون معادلة إذا أدخلتا على فعل واحد، كقولك: أزيد قام أم عمرو؟ وقولك: أقام زيد أو عمرو؟ قالوا: وإذا اختلف الفعلان كهذه الآية فليست أم معادلة، ومعنى الآية: أحدث لك الاستكبار الآن أن كنت قديماً ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك، وهذا على جهة التوبيخ.
وقول إبليس: { أنا خير منه } قياس أخطأ فيه، وذلك أنه لما توهم أن النار أفضل من الطين، قاس أن ما يخلق من الأفضل فهو أفضل من الذي يخلق من المفضول، ولم يدر أن الفضائل تخصيصات من الله تعالى يسم بها من شاء، وفي قوله رد على حكمة الله تعالى وتجوير. وذلك بين في قوله:
{ { أرأيتك هذا الذي كرمت علي } [الإسراء: 62] ثم قال: { أنا خير منه }، وعند هذه المقالة اقترن كفر إبليس به إما عناداً على قول من يجيزه، وإما بأن سلب المعرفة، وظاهر أمره أنه كفر عناداً، لأن الله تعالى قد حكم عليه بأنه كافر، ونحن نجده خلال القصة يقول: يا رب بعزتك وإلى يوم يبعثون، فهذا كله يقتضي المعرفة، وإن كان للتأويل فيه مزاحم فتأمله، ثم أمر الله تعالى إبليس بالخروج على جهة الادخار له، فقالت فرقة: أمره بالخروج من الجنة. وقالت فرقة: من السماء. وحكى الثعلبي عن الحسن وأبي العالية أن قوله: { منها } يريد به من الخلقة التي أنت فيها ومن صفات الكرامة التي كانت له، قال الحسين بن الفضل: ورجعت له أضدادها، وعلى القول الأول فإنما أمره أمراً يقتضي بعده عن السماء، ولا خلاف أنه أهبط إلى الأرض. و"الرجيم": المرجوم بالقول السيىء. و"اللعنة" الإبعاد. و: { يوم الدين } يوم القيامة. و { الدين }: الجزاء، وإنما حد له اللعنة بـ { يوم الدين }، ولعنته إنما هي مخلدة ليحصر له أمد التوبة، لأن امتناع توبته بعد يوم القيامة، إذ ليست الآخرة دار عمل، ثم إن إبليس سأل النظرة وتأخير الأجل إلى يوم بعث الأجساد من القبور، فأعطاه الله تعالى الإبقاء { إلى يوم الوقت المعلوم }.
واختلف الناس في تأويل ذلك، فقال الجمهور: أسعفه الله في طلبته وأخره إلى يوم القيامة، فهو الآن حي مغو مضل، وهذا هو الأصح من القولين. وقالت فرقة: لم يسعف بطلبته، وإنما أسعف إلى الوقت الذي سبق من الله تعالى أن يموت إبليس فيه. وقال بعض هذه الفرقة: مات إبليس يوم بدر.