خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
١٦
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٧
وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ
١٨
-فصلت

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

روي في الحديث أن الله تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا على عاد منها مقدار حلقة الخاتم، ولو فتحوا مقدار منخر الثور لهلكت الدنيا: وروي أن الريح كانت ترفع العير بأوقارها فتطيرها حتى تطرحها في البحر. وقال جابر بن عبد الله والتيمي: حبس عنهم المطر ثلاثة أعوام، وإذا أراد الله بقوم شراً حبس عنهم المطر وأرسل عليهم الرياح.
واختلف الناس في الصرصر، فقال قتادة والسدي والضحاك: هو مأخوذ من الصر، وهو البرد، والمعنى: ريحاً باردة لها صوت. وقال مجاهد: صرصر: شديدة السموم. وقال الطبري وجماعة من المفسرين: هو من صر يصر إذا صوت صوتاً يشبه الصاد والراء، وكذلك يجيء صوت الريح في كثير من الأوقات بحسب ما تلقى.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والأعرج وعيسى والنخعي: بسكون الحاء وهو جمع نحس، يقال يوم نحس، فهو مصدر يوصف به أحياناً وعلى الصفة به جمع في هذه الآية، واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله:
{ { يوم نحس مستمر } [القمر: 19]. وقال النخعي: { نحسات } وليست بـ "نحِسات" بكسر. وقرأ الباقون وأبو جعفر وشيبة وأبو رجاء وقتادة والجحدري والأعمش: "نحِسات" بكسر الحاء، وهي جمع لنحس على وزن حذر، فهو صفة لليوم مأخوذ من النحس. وقال الطبري: نحس ونحس لغتان، وليس كذلك، بل اللغة الواحدة تجمعهما، أحدهما مصدر، والآخر من أمثلة اسم الفاعل، وأنشد الفراء: [البسيط]

أبلغ جذاماً ولخماً أن إخوتهم طيا وبهراء قوم نصرهم نحس

وقالت فرقة: إن "نحْسات" بالسكون مخفف من "نحِسات" بالكسر، والمعنى في هذه اللفظة مشاييم من النحس المعروف، قاله مجاهد وقتادة والسدي: وقال الضحاك معناه: شديدة، أي شديدة البرد حتى كان البرد عذاباً لهم. قال أبو علي: وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد:

كأن سلافة عرضت بنحس يحيل شفيفها الماء الزلالا

وقال ابن عباس: { نحسات } معناه: متتابعات، وكانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وعذاب الخزي في الدنيا هو العذاب بسبب الكفر ومخالفة أمر الله، ولا خزي أعظم من هذا إلا ما في الآخرة من الخلود في النار.
وقرأ جمهور الناس: "ثمودُ" بغير حرف، وهذا على إرادة القبيلة. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب: "ثمودٌ" بالتنوين والإجراء، وهذا على إرادة الحي، وبالصرف كان الأعمش يقرأ في جميع القرآن إلافي قوله:
{ { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } [الإسراء: 59] لأنه في المصحف بغير ألف. وقرأ ابن أبي إسحاق والأعرج بخلاف، والأعمش وعاصم "ثمودَ" بالنصب، وهذا على إضمار فعل يدل عليه قوله: { فهديناهم }، وتقديره عند سيبويه: مهما يكن من شيء فهدينا ثمود هديناهم، والرفع عنده أوجه، وروي عن ابن أبي إسحاق والأعمش: "ثموداً" منونة منصوبة، وروى الفضل عن عاصم الوجهين.
وقوله تعالى: { فهديناهم } معناه: بينّا لهم، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، وليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد، وهذا كما هي الآن شريعة الإسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين لنا ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالصد، فذلك استحباب العمى على الهدى.
وقوله تعالى: { فاستحبوا } عبارة عن تكسبهم في العمى، وإلا فهو بالاختراع لله تعالى، ويدلك على أنها إشارة إلى تكسبهم قوله تعالى: { بما كانوا يكسبون }.
وقوله تعالى: { العذاب الهون } وصف بالمصدر، والمعنى الذي معه هوان وإذلال، ثم قرن تعالى بذكرهم ذكر من آمن واتقى ونجاته ليبين الفرق.