خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ
٥١
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
٥٢
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٥٣
أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ
٥٤
-فصلت

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

ذكر الله تعالى الخلق الذميمة من الإنسان جملة، وهي في الكفار بينه متمكنة، وأما المؤمن في الأغلب فيشكر عند النعمة، وكثيراً ما يصبر عند الشدة.
وقرأ جمهور والناس: "ونأى بجانبه" الهمزة عين الفعل. وقرأ ابن عامر: "وناء" الهمزة لام الفعل، وهي قراءة أبي جعفر، والمعنى فيهما واحد. قال أبو علي: ناء قلب ابن آدم فعل فلع، ومنه قول الشاعر [كثير]: [الطويل]

وكل خليل راءني فهو قائل من اجلك هذا هامة اليوم أو غد

ومنه قول الآخر: [الطويل]

وقد شاءني أهل السباق وأمعنوا

{ ونأى } معناه: بعد ولم يمل إلى شكر ولا طاعة.
وقوله: { فذو دعاء عريض } أي طويل أيضاً، فاستغنى بالصفة الواحدة عن لزيمتها، إذ العرض يقتضي الطول ويتضمنه، ولم يقل طويل، لأن الطويل قد لا يكون عريضاً، فـ { عريض } أدل على الكثرة. ثم أمر تعالى نبيه أن يقف قريشاً على هذا الاحتجاج وموضع تغريرهم بأنفسهم فقال: { أرأيتم إن كان } هذا الشرع { من عند الله } وبأمره وخالفتموه أنتم، ألستم على هلكة من قبل الله تعالى، فمن أضل ممن يبقى على مثل هذا الغرر مع الله، وهذا هو الشقاق، ثم وعد تعالى نبيه عليه السلام بأنه سيري الكفار آياته.
واختلف المتأولون في معنى قوله: { في الآفاق وفي أنفسهم } فقال المنهال والسدي وجماعة: هو وعد بما يفتحه الله تعالى على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها. { وفي أنفسهم } أراد به فتح مكة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل حسن ينتظم الإعلام بغيب ظهر وجوده بعد كذلك ويجري معه لفظ الاستئناف الذي في الفعل.
وقال الضحاك وقتادة: { سنريهم آياتنا في الآفاق } هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديماً { وفي أنفسهم } يوم بدر، وقال ابن زيد وعطاء: { الآفاق }: آفاق السماء. وأراد: الآيات: في الشمس والقمر والرياح وغير لك. { وفي أنفسهم } عبرة الإنسان بجسمه وحواسه وغريب خلقته وتدريجه في البطن ونحو ذلك، وهذه آيات قد كانت مرئية، فليس هذا المعنى يجري مع قوله: "سنري" والتأويل الأول أرجحها، والله أعلم. والضمير في قوله تعالى: { أنه الحق } عائد على الشرع والقرآن، فبإظهار الله إياه وفتح البلاد عليه تبين لهم أنه الحق.
ثم قال تعالى وعداً لنبيه عليه السلام: { أولم يكف بربك } والتقدير: أولم يكف ربك، والباء زائدة للتأكيد، وأنه يحتمل أن يكون في موضع رفع على البدل من الموضع، إذ التقدير: أولم يكف ربك، ويحتمل أن يكون في موضع خفض على البدل من اللفظ، وهذا كله بدل الاشتمال، ويصح أن يكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر، أي لأنه على كل شيء شهيد.
وقرأ الجمهور: "أنه" بفتح الألف، وقرأ بعض الناس "إنه" بكسرها على الاعتراض أثناء القول.
وقوله: { ألا } استفتاح يقتضي إقبال السامع على ما يقال له، فاستفتح الإخبار على أنهم في شك وريب وضلال أداهم إلى الشك في البعث.
وقرأ جمهور الناس: "في مِرية" بكسر الميم. وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن: "في مُرية" بضم الميم، والمعنى واحد، ثم استفتح الإخبار بإحاطته بكل شيء على معنى الوعيد لهم، وإحاطته تعالى هي بالقدرة والسلطان، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم.
نجز تفسير سورة { حم } السجدة، والحمد لله رب العالمين.