المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
قوله تعالى: { إنما } في هذه الآية حاصرة يعطي ذلك المعنى. وقوله تعالى: { ثم لم يرتابوا } أي
لم يشكوا في إيمانهم ولم يداخلهم ريب { وهم الصادقون }، إذ جاء فعلهم مصدقاً لقولهم، ثم أمره تعالى
بتوبيخهم بقوله: { قل أتعلمون الله بدينكم } ، أي بقولكم: { آمنا } [الحجرات: 14] وهو يعلم منكم
خلاف ذلك، لأنه العليم بكل شيء.
وقوله: { يمنون عليك أن أسلموا } نزلت في بني أسد أيضاً، وذلك أنهم قالوا في بعض الأوقات
للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا آمنا بك واتبعناك ولم نحاربك كما فعلت محارب خصفة وهوازن غطفان
وغيرهم، فنزلت هذه الآية، حكاه الطبري وغيره. وقرأ ابن مسعود: "يمنون عليك إسلامهم". وقوله يحتمل
أن يكون مفعولاً صريحاً. ويحتمل أن يكون مفعولاً من أجله.
وقوله: { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } بزعمكم إذ تقولون آمنا، فقد لزمكم أن الله مان
عليكم، ويدلك على هذا المعنى قوله: { إن كنتم صادقين } فتعلق عليهم الحكمان هم ممنون عليهم على
الصدق وأهل أن يقولوا أسلمنا من حيث هم كذبة.
وقرأ ابن مسعود: "إذ هداكم".
وقوله تعالى: { يمن عليكم } يحتمل أن يكون بمعنى: ينعم كما تقول: من الله عليك، ويحتمل أن
يكون بمعنى: يذكر إحسانه فيجيء معادلاً لـ { يمنون عليك }، وقال الناس قديماً: إذا كفرت النعمة
حسنت المنة. وإنما المنة المبطلة للصدقة المكروهة ما وقع دون كفر النعمة.
وقرأ أبو جعفر ونافع وشيبة وقتادة وابن وثاب: "تعملون" بالتاء على الخطاب. وقرأ ابن كثير وعاصم
في رواية أبان: "يعملون" بالياء من تحت على ذكر الغيب.