خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٣٦
يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٣٧
-المائدة

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذه الآية وعظ من الله تعالى بعقب ذكر العقوبات النازلة بالمحاربين، وهذا من أبلغ الوعظ لأنه يرد على النفوس وهي خائفة وجلة، وعادة البشر إذا رأى وسمع أمر ممتحن ببشيع المكاره أن يرق ويخشع، فجاء الوعظ في هذه الحال، { ابتغوا } معناه اطلبوا، و { الوسيلة } القربة وسبب النجاح في المراد، ومن ذلك قول عنترة لامرأته:

إن الرجال لهم إليك وسيلة أن يأخذوك تكحلي وتخضبي

وأما الوسيلة المطلوبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فهي أيضاً من هذا، لأن الدعاء له بالوسيلة والفضيلة إنما هو أن يؤتاهما في الدنيا ويتصف بهما ويكون ثمرة ذلك في الآخرة التشفيع في المقام المحمود، ومن هذه اللفظة قول الشاعر:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

أنشده الطبري، وقوله تعالى: { وجاهدوا في سبيله } خص الجهاد بالذكر لوجهين، أحدهما نباهته في أعمال البر وأنه قاعدة الإسلام، وقد دخل بالمعنى في قوله: { وابتغوا إليه الوسيلة } ولكن خصه تشريفاً، والوجه الآخر أنها العبادة التي تصلح لكل منهي عن المحاربة وهو معدلها من حاله وسنه وقوته وشره نفسه، فليس بينه وبين أن ينقلب إلى الجهاد إلا توفيق الله تعالى.
واللام في قوله: { ليفتدوا } لام كي، وقرأ جمهور الناس "تُقُبل" بضم التاء والقاف على ما لم يسم فاعله، وقرأ يزيد بن قطيب "تَقَبل" بفتحها على معنى ما قبل الله.
وقوله تعالى: { يريدون } إخبار عن أنهم يتمنون هذا في قلوبهم، وفي غير ما آية أنهم ينطقون عن هذه الإرادة، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا فارت بهم النار قربوا من حاشيتها فحينئذ يريدون الخروج ويطعمون به وذلك قوله تعالى: { يريدون أن يخرجوا من النار }.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقد تأول قوم هذه الإرادة أنها بمعنى يكادون على هذا القصص الذي حكى الحسن، وهذا لا ينبغي أن يتأول إلا فيما لا تتأتى منه الإرادة الحقيقة كقوله تعالى:
{ { يريد أن ينقض } [الكهف:77] وأما في إرادة بني آدم فلا إلا على تجوز كثير، وقرأ جمهور الناس "يَخرُجوا" بفتح الياء وضم الراء وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي "يُخَرجوا" بضم الياء وفتح الراء، وأخبر تعالى عن هؤلاء الكفار أنهم ليسوا بخارجين من النار بل عذابهم فيها مقيم متأبد، وحكى الطبري عن نافع بن الأزرق الخارجي أنه قال لابن عباس يا أعمى البصر أعمى القلب تزعم أن قوماً "يخرجون من النار" وقد قال الله تعالى: { وما هم بخارجين منها } فقال له ابن عباس: ويحك اقرأ ما فوقها، هذه الآية في الكفار.