خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦٩
وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ
١٧٠
-الأعراف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

{ خلف } معناه حدث خلفهم و { بعدهم خلْف } بإسكان اللام يستعمل في الأشهر في الذم ومنه قول لبيد: [الكامل]

ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وقد يستعمل في المدح ومنه قول حسان: [الطويل]

لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع

والخلَف بفتح اللام يستعمل في الأشهر في المدح، قال أبو عبيدة والزجاج: وقد يستعمل في الذم أيضاً ومنه قول الشاعر:

الا ذلك الخلف الأعور

وقال مجاهد: المراد بـ "الخلف" هاهنا النصارى وضعفه الطبري وقرأ جمهور الناس { ورثوا الكتاب } وقرأ الحسن بن أبي الحسن البصري "وُرّثوا الكتاب" بضم الواو وشد الراء، وقوله { يأخذون عرض هذا الأدنى } إشارة إلى الرشا والمكاسب الخبيثة و "العرض" ما يعرض ويعن ولا يثبت، و"الأدنى" إشارة إلى عيش الدنيا، وقوله: { ويقولون سيغفر لنا } ذم لهم باغترارهم وقولهم: { سيغفر } مع علمهم بما في كتاب الله من الوعيد على المعاصي وإصرارهم عليهم وأنهم إذا أمكنتهم ثانية ارتكبوها فهؤلاء عجزة كما قال صلى الله عليه وسلم: "والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله، فهؤلاء قطعوا بالمغفرة وهم مصرون وإنما يقول سيغفر لنا من أقلع وندم" .
وقوله تعالى: { ألم يؤخذ عليهم } الآية، تشديد في لزوم الحق على الله في الشرع والأحكام بين الناس وأن لا تميل الرشا بالحكام إلى الباطل، و { الكتاب } يريد به التوراة وميثاقها الشدائد التي فيها في هذا المعنى، وقوله: { أن لا يقولوا على الله إلا الحق } يمكن أن يريد بذلك قولهم الباطل في حكومة مما يقع بين أيديهم، ويمكن أن يريد قولهم سيغفر لنا وهم قد علموا الحق في نهي الله عن ذلك، وقرأ جمهور الناس: "يقولوا" بياء من تحت وقرأ الجحدري: "تقولوا" بتاء من فوق وقوله: { ودرسوا } معطوف على قوله: { ألم يؤخذ } الآية بمعنى المضي، يقدر: أليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه وبهذين الفعلين تقوم الحجة عليهم في قولهم الباطل، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، "وادارسوا" ما فيه وقال الطبري وغيره، قوله: { ودرسوا } معطوف على قوله: { ورثوا الكتاب }.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر لبعد المعطوف عليه لأنه قوله: { ودرسوا } يزول منه معنى إقامة الحجة بالتقدير الذي في قوله: { ألم } ثم وعظ وذكر تبارك وتعالى بقوله: { والدار الآخرة خير للذين يتقون } وقرأ جمهور الناس: "أفلا تعقلون" بالتاء من فوق وقرأ أبو عمرو وأهل مكة: "يعقلون" بالياء من أسفل.
وقوله: { والذين } عطف على قوله: { للذين يتقون } وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو والناس: "يَمَسّكون" بفتح الميم وشد السين وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو العالية وعاصم وحده في رواية أبي بكر. "يمْسِكون " بسكون الميم وتخفيف السين، وكلهم خفف
{ { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } [الممتحنة:10] إلا أبا عمرو فإنه قرأ: "ولا تمَسّكوا " بفتح الميم وشد السين، وقرأ الأعمش "والذين استمسكوا" وفي حرف أبيّ "والذين مسكوا" يقال أمسك ومسك وهما لغتان بمعنى واحد، قال كعب بن زهير: [البسيط]

فما تمسك بالعهد الذي زعمت إلا كما تمسك الماء الغرابيل

أما أن شد السين يجري مع التعدي بالباء.