خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ
١٩٧
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
١٩٨
خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ
١٩٩
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٠٠
-الأعراف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

الضمير في قوله { من دونه } عائد على اسم الله تعالى وهذا الضمير مصرح بما ذكرناه من ضعف قراءة من قرأ "إن ولي الله" أنه جبريل صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية أيضاً بيان لحال تلك الأصنام وفسادها وعجزها عن نصرة أنفسها فضلاً عن غيرها.
وقوله تعالى: { وإن تدعوهم } الآية، قالت فرقة: المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والهاء والميم في قوله { تدعوهم } للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة ولا حلوا منه بطائل، قاله السدي ومجاهد، وقال الطبري: المراد بالضمير المذكور الأصنام، ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة وما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان، ومعنى الآية على هذا تبين جمودية الأصنام وصغر شأنها، وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآية على أن العباد ينظرون إلى ربهم ولا يرونه، ولا حجة لهم في الآية لأن النظر في الأصنام مجاز محض.
قال القاضي أبو محمد: وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكناً من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستولياً على عقولها فأوعب القول في ذلك لطفاً من الله تعالى بهم.
وقوله تعالى: { خذ العفو } الآية، وصية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم جميع أمته وأخذ بجميع مكارم الأخلاق، وقال الجمهور في قوله { خذ العفو } إن معناه اقبل من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفواً دون تكلف، فالعفو هنا الفضل والصفو الذي تهيأ دون تحرج، قاله عبد الله بن الزبير في مصنف البخاري، وقاله مجاهد وعروة، ومنه قول حاتم الطائي: [الطويل]

خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

وقال ابن عباس والضحاك والسدي: هذه الآية، في الأموال، وقيل هي فرض الزكاة أمر بها صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما سهل من أموال الناس، وعفا أي فضل وزاد من قولهم عفا النبات والشعر أي كثر، ثم نزلت الزكاة وحدودها فنسخت هذه الآية، وذكر مكي عن مجاهد أن { خذ العفو } معناه خذ الزكاة المفروضة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا شاذ، وقوله { وأمر بالعرف } معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل:
"ما هذا العرف الذي أمر به، قال: لا أدري حتى أسأل العالم، فرجع إلى ربه فسأله ثم جاءه فقال له: يا محمد هو أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك" .
قال القاضي أبو محمد: فهذا نصب غايات والمراد فما دون هذا من فعل الخير، وقرأ عيسى الثقفي فيما ذكر أبو حاتم "بالعُرف" بضم الراء والعرْف والعرُف بمعنى المعروف، وقوله { وأعرض عن الجاهلين } حكم مترتب محكم مستمر في الناس ما بقوا، هذا قول الجمهور من العلماء، وقال ابن زيد في قوله { خذ العفو - إلى - الجاهلين } إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مداراة لكفار قريش ثم نسخ ذلك بآية السيف.
قال القاضي أبو محمد: وحديث الحر بن قيس حين أدخل عمه عيينة بن حصن على عمر دليل على أنها محكمة مستمرة، لأن الحر احتج بها على عمر فقررها ووقف عندها.
وقوله تعالى: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } وصية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم أمته رجلاً رجلاً، والنزغ حركة فيها فساد، وقلَّما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركاته مسرعة مفسدة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، لا ينزغ الشيطان في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك " ، وفي مصنف الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن للملك لمة وإن للشيطان لمة" .
قال القاضي أبو محمد: وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر، فالأخذ بالواجب هذه الآية يصلح مع الاستعاذة ويصلح أيضاً ما يقول فيه الكفار من الأقاويل فيغضبه الشيطان لذلك، وعليم كذلك وبهذه الآية تعلق ابن القاسم في قوله: إن الاستعاذة عند القراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.