خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
٣١
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣٢
-الأعراف

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

هذا خطاب عام لجميع العالم وأمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت من مشركي العرب فيها، والزينة ها هنا الثياب الساترة قاله مجاهد والسدي، وقال طاوس: الشملة من الزينة.
قال القاضي أبو محمد: ويدخل فيها ماكان من الطيب للجمعة والسواك وبدل الثياب وكل ما وجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به مستعمله الخيلاء، و { عند كل مسجد } عند كل موضع سجود فهي إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها هذا هو مهم الأمر، ويدخل مع الصلاة مواطن الخير كلها، ومع ستر العورة ما ذكرناه من الطيب للجمعة وغير ذلك، وذكر مكي حديثاً أن معنى { خذوا زينتكم } صلوا في النعال، وما أحسبه يصح.
وقوله تعالى: { وكلوا واشربوا } نهي عما كانوا التزموه من تحريم اللحم والودك في أيام الموسم، قال السدي وابن زيد، وتدخل مع ذلك أيضاً البحيرة والسائبة ونحو ذلك، وقد نص على ذلك قتادة وقال إن البحيرة وما جانسها هي المراد بقوله تعالى: { والطيبات من الرزق } ، وقوله تعالى: { ولا تسرفوا } معناه ولا تفرطوا، قال أهل التأويل: يريد ولا تسرفوا بأن تحرموا على أنفسكم مالم يحرم الله عز وجل، قال ابن عباس: ليس في الحلال سرف إنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال القاضي أبو محمد: يريد في الحلال القصد، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقاً فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضاً من المسرفين وتوجه النهي عليه، مثل ذلك أن يفرط الإنسان في شراء ثياب ونحوها ويستنفد في ذلك جل ماله أو يعطي ماله أجمع ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ونحوه، فالله عز وجل لا يحب شيئاً من هذا، وقد نهت الشريعة عنه، ولذلك وقف النبي عليه السلام بالموصي عند الثلث، وقال بعض العلماء: لو حط الناس إلى الربع لقول النبي عليه السلام
"والثلث كثير" ، وقد قال ابن عباس في هذه الآية، أحل الله الأكل والشرب مالم يكن سرفاً أو مخيلة.
وأمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يسألهم عمن حرم ما أحل الله على جهة التوبيخ والتقرير وليس يقتضي هذا السؤال جواباً، وإنما المراد منه التوقيف على سوء الفعل، وذكر بعض الناس أن السؤال والجواب جاء في هذه الآية من جهة واحدة وتخيل قوله: { قل هي للذين آمنوا } جواباً.
قال القاضي أبو محمد: وهذا نظر فاسد ليس ذلك بجواب السؤال ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جواباً، و { زينة الله } هي ما حسنته الشريعة وقررته. وزينة الدنيا هي كل ما اقتضته الشهوة وطلب العلو في الأرض كالمال والبنين وهي الزينة التي فضل الشرع عليها، وقوله: { والطيبات } قال الجمهور يريد المحللات، وقال الشافعي وغيره يريد المستلذات.
قال القاضي أبو محمد: إلا أن ذلك ولا بد يشترط فيه أن يكون من الحلال، وإنما قاد الشافعي إلى هذا تحريمه المستقذرات كالوزغ وغيرها فإنه يقول هي من الخبائث محرمة.
وقوله تعالى: { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة }.
قرأ نافع وحده "خالصةٌ" بالرفع والباقون "خالصةً" بالنصب، والآية تتأول على معنيين أحدهما أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات في الدنيا هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا، وخلوصها أنهم لا يعاقبون عليها ولا يعذبون، فقوله { في الحياة الدنيا } متعلق بـ { آمنوا }. وإلى هذا يشير تفسير سعيد بن جبير، فإنه قال { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا } ينتفعون بها في الدنيا ولا يتبعهم إثمها، وقوله "خالصةٌ" بالرفع خبر هي، و { للذين } تبيين للخلوص، ويصح أن يكون خالصة خبراً بعد خبر، و { يوم القيامة } يريد به وقت الحساب، وقرأ قتادة والكسائي "قل هي لمن آمن في الحياة الدنيا"، والمعنى الثاني هو أن يخبر أن هذه الطيبات الموجودات هي في الحياة الدنيا للذين آمنوا وإن كانت أيضاً لغيرهم معهم وهي يوم القيامة خالصة لهم أي لا يشركهم أحد في استعمالها في الآخرة، وهذا قول ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة والسدي وابن جريج وابن زيد، فقوله: { في الحياة الدنيا } على هذا التأويل متعلق بالمحذوف المقدر في قوله { للذين آمنوا } كأنه قال هي خالصة أو ثابتة في الحياة الدنيا للذين آمنوا، و"خالصةٌ" بالرفع خبر بعد خبر، أو خبر ابتداء مقدر تقديره: وهي خالصة يوم القيامة، و { يوم القيامة } يراد به استمرار الكون في الجنة، وأما من نصب "خالصةً" فعلى الحال من الذكر الذي في قوله { للذين آمنوا } ، التقدير هي ثابتة أو مستقرة للذين آمنوا في حال خلوص لهم، والعامل فيها ما في اللام من معنى الفعل في قوله { للذين } . وقال أبو علي في الحجة: ويصح أن يتعلق قوله: { في الحياة الدنيا } بقوله { حرم } ولا يصح أن يتعلق بـ { زينة } لأنها مصدر قد وصف، ويصح أن يتعلق بقوله { أخرج لعباده } ويجوز ذلك وإن فصل بين الصلة والموصول بقوله: { قل هي للذين آمنوا } لأن ذلك كلام يشد القصة وليس بأجنبي منها جداً كما جاء في قوله:
{ { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة } [يونس:27] فقوله { وترهقهم ذلة } معطوف على { كسبوا } داخل في الصلة، والتعلق بـ { أخرج } هو قول الأخفش ويصح أن يتعلق بقوله: { والطيبات }. ويصح أن يتعلق بقوله: { من الرزق } ويصح أن يتعلق بقوله { آمنوا }.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الأخير هو أصح الأقوال على هذا التأويل الأول فيما رتبناه هنا، وأما على التأويل الآخر فيضعف معنى الآية هذه المتعلقات التي ذكر أبو علي وإنما يظهر أن يتعلق المحذوف المقدر في قوله { للذين آمنوا } وقوله تعالى: { كذلك } تقدير الكلام أي كما فصلنا هذه الأشياء المتقدمة الذكر فكذلك وعلى تلك الصورة نفصل الآيات أي نبين الأمارات والعلامات والهدايات لقوم لهم علم ينتفعون به، و { نفصل } معناه نقسم ونبين لأن بيان الأمور المشبهات إنما هو في تقسيمها بالفصول.