خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٧٢
-الأنفال

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

مقصد هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا، والكفار والمهاجرين بعد الحديبية، وذكر نسب بعضهم من بعض، فقدم أولاً ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام، وانظر تقديم عمر لهم في الاستشارة و "هاجر" معناه أهله وقرابته وهجروه، { وجاهدوا } معناه أجهدوا أنفسهم في حرب من أجهد نفسه في حربهم، { والذين آوو ونصروا } هم الأنصار وآوى معناه هيأ مأوى وهوالملجأ والحرز، فحكم الله على هاتين الطائفتين بأن { بعضهم أولياء بعض } ، فقال كثير من المفسرين هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي، وعليه فسر الطبري الآية، وهذا الذي قالوا لازم من دلالة اللفظ، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وكثير منهم إن هذه الموالاة هي في الميراث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانت بين الأنصار أخوة النسب وكانت أيضاً بين بعض المهاجرين فكان المهاجريّ إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجريّ وورثه أخوه الأنصاري، وإن كان له ولي مسلم لم يهاجر، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري لا يرثه، قال ابن زيد: واستمر أمرهم كذلك إلى فتح مكة، ثم توارثوا بعد ذلك لما لم تكن هجرة.
قال القاضي أبو محمد: فذهبت هذه الفرقة إلى أن هذا هو مقصد الآية، ومن ذهب إلى أنها في التآزر والتعاون فإنما يحمل نفي الله تعالى ولايتهم عن المسلمين على أنها صفة الحال لا أن الله حكم بأن لا ولاية بين المهاجرين وبينهم جملة، وذلك أن حالهم إذا كانوا متباعدي الأقطار تقتضي أن بعضهم إن حزبه حازب لا يجد الآخر ولا ينتفع به فعلى هذه الجهة نفي الولاية، وعلى التأولين ففي الآية حض للأعراب على الهجرة، قاله الحسن بن أبي الحسن، ومن رأى الولاية في الموارثة فهو حكم من الله ينفي الولاية في الموارثة، قالوا: ونسخ ذلك قوله تعالى
{ { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } [الأنفال:75]، وقرأ جمهور السبعة والناس "وَلايتهم" بفتح الواو والوَلاية أيضاً بالفتح، وقرأ الكسائي "وَلايتهم" بفتح الواو والوِلاية بكسر الواو، وقرأ الأعمش وابن وثاب "وِلايتهم" والوِلاية بكسر الواو وهي قراءة حمزة، قال أبو علي والفتح أجود لأنها في الدين، قال أبو الحسن الأخفش والكسر فيها لغة وليست بذلك ولحن الأصمعي والأعمش وأخطأ عليه لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن.
قال القاضي أبو محمد: لا سيما ولا يظن به إلا أنه رواها، قال أبو عبيدة: الوِلاية بالكسر هي من وليت الأمر إليه فهي من السلطان، والولاية هي من المولى، يقال مولى بين الوَلاية بفتح الواو، وقوله { وإن استنصروكم } يعني إن استدعى هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا نصركم على قوم من الكفرة فواجب عليكم نصرهم إلا إن استنصروكم على قوم كفار قد عاهدتموهم أنتم وواثقتموهم على ترك الحرب فلا تنصروهم عليهم لأن ذلك عذر ونقض للميثاق وترك لحفظ العهد والوفاء به، والقراءة "فعليكم النصرُ" برفع الراء، ويجوز "فعليكم النصر" على الإغراء، ولا أحفظه قراءة، وقرأ جمهور الناس "والله بما تعملون" على مخاطبة المؤمنين، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعرج "بما يعملون" بالياء على ذكر الغائب.