خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
١٠
قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
١١
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
١٢
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
١٣
قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ
١٤
-يوسف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { قال قائل منهم } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يهوذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، والسدي، ومقاتل. والثاني: أنه شمعون، قاله مجاهد. والثالث: روبيل، قاله قتادة، وابن إِسحاق. فأما غيابة الجب، فقال أبو عبيدة: كل شيء غيَّب عنك شيئاً فهو غيابة، والجب: الرَّكية التي لم تطو. وقال الزجاج: الغيابة: كل ما غاب عنك، أو غيَّب شيئاً عنك، قال المنخِّل:

فإنْ أنا يَوْماً غيَّبَتْني غَيَابَتي فسِيروا بِسَيْري في العشيرة والأهْلِ

والجب: البئر التي لم تطو؛ سميت جباً من أجل أنها قُطعت قطْعاً، ولم يحدث فيها غير القطع من طي وما أشبهه. وقال ابن عباس: «في غيابة الجب» أي: في ظلماته. وقال الحسن: في قعره. وقرأ نافع: «غيابات الجب» فجعل كل منه غيابة. وروى خارجة عن نافع: «غيَّابات» بتشديد الياء. وقرأ الحسن، وقتادة، ومجاهد: «غيبة الجب» بغير ألف مع إِسكان الياء. وأين كان هذا الجب، فيه قولان:

أحدهما: بأرض الأردن، قاله وهب. وقال مقاتل: هو بأرض الأردن على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب. والثاني: ببيت المقدس، قاله قتادة.

قوله تعالى: { يلتقطه بعض السيارة } قال ابن عباس: يأخذه بعض من يسير. { إِن كنتم فاعلين } أي: إِن أضمرتم له ما تريدون. وأكثر القراء قرؤوا «يلتقطه» بالياء. وقرأ الحسن، وقتادة، وابن أبي عبلة بالتاء. قال الزجاج: وجميع النحويين يجيزون ذلك، لأن بعض السيارة سيارة، فكأنه قال: تلتقطه سيارة بعض السيارة. وقال ابن الأنباري: من قرأ بالتاء، فقد أنَّث فعل بعض، وبعض مذكر، وإِنما فعل ذلك حملاً على المعنى، إِذ التأويل: تلتقطه السيارة، قال الشاعر:

رأت مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مني كما أخَذَ السِّرارُ مِنَ الهِلاَلِ

أراد: رأت السنين، وقال الآخر:

طُولُ الليالي أَسْرَعتْ في نَقْضي طَوَيْنَ طُوِلي وَطَوَيْنَ عَرْضِي

أراد: الليالي، أسرعت، وقال جرير:

لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ سُورُ المَدِينَةِ والْجِبَالُ الخُشَّعُ

أراد: تواضعت المدينة، وقال الآخر:

وتشْرَقُ بالْقَوْلِ الَّذي قد أَذَعْتُهُ كما شَرقتْ صدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ

أراد: كما شرقت القناة.

قال المفسرون: فلما عزم القوم على كيد يوسف، قالوا لأبيه: { مالك لا تأمنّا } قرأ الجماعة «تأمنا» بفتح الميم وإِدغام النون الأولى في الثانية والإِشارة إِلى إِعراب النون المدغمة بالضم؛ قال مكي: لأن الأصل «تأمننا» ثم أدغمت النون الأولى، وبقي الإِشمام يدل على ضمة النون الأولى. والإِشمام: هو ضم شفتيك من غير صوت يُسمع، فهو بعد الإِدغام وقبل فتحه النون الثانية. وابن كيسان يسمي الإِشمام الإِشارة، ويسمى الرَّوم إِشماماً؛ والرَّوْم: صوت ضعيف يُسمع خفياً. وقرأ أبو جعفر «تأمنّا» بفتح النون من غير إِشمام إِلى إِعراب المدغم. وقرأ الحسن «مَالَكَ لا تأمُنّا» بضم الميم. وقرأ ابن مقسم «تأمننا» بنونين على الأصل، والمعنى: مالك لا تأمنا على يوسف فترسله معنا، فانه قد كبر ولا يعلم شيئاً من أمر المعاش { وإِنا له لناصحون } فيما أشرنا به عليك؛ { أرسله معنا غداً } إِلى الصحراء. وقال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير، وذلك أنهم قالوا له: أرسله معنا، فقال إِني لَيَحْزُنُني أن تذهبوا به، فقالوا: مالك لا تأمنا.

قوله تعالى: { نرتع ونلعب } قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو «نرتع ونلعب» بالنون فيهما، والعين ساكنه؛ وافقهم زيد عن يعقوب في «نرتع» فحسب.

وفي معنى «نرتع» ثلاثة أقوال:

أحدها: نَلْهُ، قاله الضحاك. والثاني: نَسْعَ، قاله قتادة. والثالث: نأكل؛ يقال: رتعت الإِبل: إِذا رعت، وأرتعتها: إِذا تركتها ترعى. قال الشاعر:

وَحْبِيبٍ لي إِذَا لاَقَيْتُهُ وإِذَا يَخْلُوا لَهُ لَحْمِي رَتَعْ

أي: أكله، هذا قول ابن الأنباري، وابن قتيبة. وقرأ عاصم، و حمزة والكسائي: «يرتع ويلعب» بالياء فيهما وجزْم العين والباء، يعنون «يوسف». وقرأ نافع: «نرتعِ» بكسر العين من «نرتع» من غير بلوغ إِلى الياء. قال ابن قتيبة: ومعناها: نتحارس، ويرعى بعضنا بعضاً، أي: يحفظ؛ ومنه يقال: رعاك الله، أي: حفظك. وقد رويت عن ابن كثير أيضاً «نرتعي» باثبات ياء بعد العين في الوصل والوقف. وقرأ أنس، وأبو رجاء «نُرتِعْ» بنون مرفوعة وكسر التاء وسكون العين، و «نلعبْ» بالنون. قال أبو عبيدة: أي: نرتع إِبلنا.

فأما قوله: { ونلعب } فقال ابن عباس: نلهو.

فإن قيل: كيف لم ينكر عليهم يعقوب ذِكر اللعب؟

فالجواب: من وجهين. أحدهما: أنهم لم يكونوا حينئذ أنبياء، قاله أبو عمرو بن العلاء. والثاني: أنهم عَنَوْا مباح اللعب، قاله الماوردي.

قوله تعالى: { إِني ليحزنني أن تذهبوا به } أي: يحزنني ذهابكم به، لأنه يفارقني فلا أراه. { وأخاف أن يأكلَهُ الذئب } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: «الذئب» بالهمز في الثلاثة المواضع. وقرأ الكسائي، وأبو جعفر، وشيبة بغير همز. قال أبو علي: «الذئب» مهموز في الأصل. يقال: تذاءَبَتِ الريح: إِذا جاءت من كل جهة كما يأتي الذئب.

وفي علة تخصيص الذئب بالذكر ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه رأى في منامة أن الذئب شد على يوسف، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن أرضهم كانت كثيرة الذئاب، قاله مقاتل.

والثالث: أنه خافهم عليه فكنى بذكر الذئب، قاله الماوردي.

قوله تعالى: { وأنتم عنه غافلون } فيه قولان:

أحدهما: غافلون في اللعب. والثاني: مشتغلون برعيتكم.

قوله تعالى: { لئن أكله الذئب ونحن عُصْبَةٌ } أي: جماعة نرى الذئب قد قصده ولا نرد عنه { إِنا إِذاً لخاسرون } أي: عاجزون. قال ابن الأنباري: ومن قرأ «عصبةً» بالنصب، فتقديره: ونحن نجتمع عصبة.