قوله تعالى: { ثم يأتي من بعد ذلك عام } إِن قيل: لِمَ أشار إِلى السنين وهي مؤنثة ب «ذلك»؟
فعنه جوابان ذكرهما ابن القاسم:
أحدهما: أن السبع مؤنثه، ولا علامة للتأنيث في لفظها، فأشبهت المذكّر، كقوله:
{ { السماءُ منفطرٌ به } [المزمل: 18] فذكّر منفطراً لمّا لم يكن في السماء علم التأنيث، قال الشاعر:فلا مُزْنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها وَلاَ أَرْضٌ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
فذكرّ «أبقل» لِما وصفنا. والثاني: أن «ذلك» إِشارة إِلى الجدب، وهذا قول مقاتل، والأول قول الكلبي. قال قتادة: زاده الله علم عام لم يسألوه عنه.
قوله تعالى: { فيه يغاث الناس } فيه قولان:
أحدهما: يصيبهم الغيث، قاله ابن عباس. والثاني: يغاثون بالخصب. ذكره الماوردي.
قوله تعالى: { وفيه يعصرون } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: «يعصرون» بالياء. وقرأ حمزة، والكسائي بالتاء، فوجَّها الخطاب إِلى المستفتين.
وفي قوله «يعصرون» خمسة أقوال:
أحدها: يعصرون العنب والزيت والثمرات، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والجمهور.
والثاني: «يعصرون» بمعنى يحتلبون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وروى ابن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال: تفسير «يعصرون» يحتلبون الألبان لِسَعَةِ خيرهم واتِّساع خصبهم، واحتج بقول الشاعر:
فما عِصْمةُ الأعْرَابِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُم طَعَامٌ وَلاَ دَرٌّ مِنَ المَالِ يُعْصَرُ
أي: يُحلب. والثالث: ينجون، وهو من العَصَر، والعَصَر: النجاء، والعُصْرة: المنجاة. ويقال: فلان في عُصْرة: إِذا كان في حصن لا يُقدَر عليه، قال الشاعر:
صَادِياً يَسْتغيث غَيْرَ مُغَاثٍ وَلَقَدْ كان عُصْرةَ المَنْجُودِ
أي: غياثاً للمغلوب المقهور، وقال عدي:لَوْ بِغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ كُنْتُ كالغصَّانِ بالماءِ اعْتِصَارِي
هذا قول أبي عبيده. والرابع: يصيبون ما يحبون، روي عن أبي عبيدة أيضاً أنه قال: المعتصر: الذي يصيب الشيء ويأخذه، ومنه هذه الآية. ومنه قول ابن أحمر:
فإنَّما العَيْشُ بريّانِه وأَنْتَ من أفْنَانِه مُعْتَصَر
والخامس: يعطون ويفضِلون لِسَعَةِ عيشهم، رواه ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة. وقرأ سعيد بن جبير: «يُعصَرون» بضم الياء وفتح الصاد. وقال الزجاج: أراد: يُمطرون من قوله: { { وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً } [النبأ: 14].