خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٩
-يوسف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ولما دخلوا على يوسف } يعني إِخوته { آوى إِليه أخاه } يعني بنيامين. وكان أخاه لأبيه وأمه، قاله قتادة، وضمه إِليه وأنزله معه، قال ابن قتيبة: يقال آويتُ فلاناً إِليَّ. بمد الألف: إِذا ضممتَه إِليك، وأويت إِلى بني فلان، بقصر الألف: إِذا لجأت إِليهم.

وفي قوله: { قال إِني أنا أخوك } قولان:

أحدهما: أنهم لما دخلوا عليه حبسهم بالباب، وأدخل أخاه، فقال له: ما اسمك؟ فقال: بنيامين، قال: فما اسم أمك؟ قال: راحيل بنت لاوَي، فوثب إِليه فاعتنقه، فقال: «إِني أنا أخوك»، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وكذلك قال ابن إِسحاق: أخبره أنه يوسف.

والثاني: أنه لم يعترف له بذلك، وإِنما قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك، قاله وهب بن منبه. وقيل: إِنه أجلسهم كل اثنين على مائدة، فبقي بنيامين وحيداً يبكي، وقال: لو كان أخي حياً لأجلسني معه، فضمَّه يوسف إِليه، وقال: إِني أرى هذا وحيداً، فأجسله معه على مائدته. فلما جاء الليل، نام كل اثنين على منام، فبقي وحيداً، فقال يوسف: هذا ينام معي. فلما خلا به، قال هل لك أخ من أمك؟ قال كان لي أخ من أمي فهلك، فقال: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال: أيها الملك، ومن يجد أخاً مثلك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف، وقام إِليه فاعتنقه، وقال: { إِني أنا أخوك } يوسف { فلا تبتئس } قال قتادة: لا تأس ولا تحزن، وقال الزجاج: لا تحزن ولا تستكِنْ. قال ابن الأنباري: «تبتئس»: تفتعل، من البؤس، وهو الضُرُّ والشدة، أي: لا يلحقنَّك بؤس بالذي فعلوا.

قوله تعالى: { بما كانوا يعملون } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم كانوا يعيِّرون يوسف وأخاه بعبادة جدِّهما أبي أُمهما للأصنام، فقال: لا تبتئس بما كانوا يعملون من التعيير لنا، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: لا تحزن بما سيعملون بعد هذا الوقت حين يسرِّقونك، فتكون «كانوا» بمعنى «يكونون» قال الشاعر:

فَأَدْرَكْتُ مَنْ قَدْ كَانَ قَبْلي وَلَمْ أَدَعْ لِمَنْ كَانَ بَعْدِي في القَصَائِد مَصْنَعَا

وقال آخر:

وانْضَحْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بِدِمَائِهَا فَلَقَدْ يَكُونُ أَخَا دَمٍ وَذَبَائِحِ

أراد: فقد كان، وهذا مذهب مقاتل.

والثالث: لا تحزن بما عملوا من حسدنا، وحرصوا على صرف وجه أبينا عنّا، وإِلى هذا المعنى ذهب ابن إِسحاق.