خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ
٨٤
-يوسف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وتولَّى عنهم } أي: أعرض عن ولده أن يطيل معهم الخطب، وانفرد بحزنه، وهيَّج عليه ذِكر يوسف { وقال يا أسفى على يوسف } قال ابن عباس: يا طول حزني على يوسف. قال ابن قتيبة: الأسف: أشد الحسرة. قال سعيد بن جبير: لقد أُعطيتْ هذه الأمة عند المصيبة مالم يُعْطَ الأنبياء قبلهم { { إِنا لله وإِنا إِليه راجعون } [البقرة: 156]، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب؛ إِذ يقول: «يا أسفى على يوسف».

فإن قيل: هذا لفظ الشكوى، فأين الصبر؟

فالجواب من وجهين:

أحدهما: أنه شكا إِلى الله تعالى، لا مِنْهُ.

والثاني: أنه أراد به الدعاء، فالمعنى: يارب ارحم أسفي على يوسف. وذكر ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال: نداء يعقوب الأسف في اللفظ من المجاز الذي يُعنى به غير المظهر في اللفظ وتلخيصه: يا إِلهي ارحم أسفي، أو أنت راءٍ أسفي، وهذا أسفي، فنادى الأسف في اللفظ، والمنادى في المعنى سواه، كما قال: «يا حسرتنا» والمعنى: يا هؤلاء تنبهوا على حسرتنا، قال: والحزن ونفور النفس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ولا مأثم إِذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثِّم ولم يشكُ إِلا إِلى ربه فلما كان قوله: «يا أسفى» شكوى إِلى ربه، كان غير ملوم. وقد روي عن الحسن أن أخاه مات، فجزع الحسن جزعاً شديداً، فعوتب في ذلك، فقال: ما وجدت الله عاب على يعقوب الحزن حيث قال: «يا أسفى على يوسف».

قوله تعالى: { وابيضت عيناه من الحزن } أي: انقلبت إِلى حال البياض. وهل ذهب بصره، أم لا؟ فيه قولان:

أحدهما: أنه ذهب بصره، قاله مجاهد.

والثاني: ضعف بصره لبياضٍ تغشّاه من كثرة البكاء، ذكره الماوردي. وقال مقاتل: لم يُبصر بعينيه ست سنين.

قال ابن عباس: وقوله: «من الحزن» أي: من البكاء، يريد أن عينيه ابيضتا لكثرة بكائه، فلما كان الحزن سبباً للبكاء، سمي البكاء حزناً. وقال ثابت البُناني: دخل جبريل على يوسف، فقال: أيها الملَك الكريم على ربه، هل لك علِم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: ما فعل، قال: ابيضت عيناه، قال: ما بلغ حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى، قال: فهل له على ذلك من أجر؟ قال: أجر مائة شهيد. وقال الحسن البصري: ما فارق يعقوبَ الحزنُ ثمانين سنة، وما جفَّت عينه، وما أحد يومئذ أكرم على الله منه حين ذهب بصره.

قوله تعالى: { فهو كظيم } الكظيم بمعنى الكاظم، وهو الممسك على حزنه فلا يظهره، قاله ابن قتيبة: وقد شرحنا هذا عند قوله: { والكاظمين الغيظ } [آل عمران: 134].