قوله تعالى: { والأرضَ مددناها } أي: بسطناها على وجه الماء { وألقينا فيها رواسي } وهي الجبال الثوابت { وأنبتنا فيها } في المشار إِليها قولان:
أحدهما: أنها الأرض، قاله الأكثرون.
والثاني: الجبال، قاله الفراء.
وفي قوله: { ومن كل شيء موزون } قولان:
أحدهما: أن الموزون: المعلوم، رواه العَوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد ابن جبير، والضحاك. وقال مجاهد، وعكرمة في آخرين: الموزون: المقدور. فعلى هذا يكون المعنى: معلومَ القَدْر كأنه قد وُزِن، لأن أهل الدنيا لمَّا كانوا يعلمون قدر الشيء بوزنه، أخبر الله تعالى عن هذا أنه معلوم القَدْر عنده بأنه موزون. وقال الزجاج: المعنى: أنه جرى على وَزْنٍ من قَدَر الله تعالى، لا يجاوز ما قدَّره الله تعالى عليه، ولا يستطيع خَلْقٌ زيادةً فيه ولا نُقصاناً.
والثاني: أنه عنى به الشيء الذي يُوزَن كالذهب، والفضة، والرصاص، والحديد، والكُحل، ونحو ذلك، وهذا المعنى مروي عن الحسن، وعكرمة، وابن زيد، وابن السائب، واختاره الفراء.
قوله تعالى: { وجعلنا لكم فيها معايش } في المشار إِليها قولان:
أحدهما: أنها الأرض.
والثاني: أنها الأشياء التي أَنبتت. والمعايش جمع معيشة. والمعنى: جعلنا لكم فيها أرزاقاً تعيشون بها.
وفي قوله تعالى: { ومن لستم له برازقين } أربعة أقوال:
أحدها: أنه الدواب والأنعام، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثاني: الوحوش، رواه منصور عن مجاهد. وقال ابن قتيبة: الوحش، والطير، والسباع، وأشباه ذلك مما لا يرزقه ابن آدم.
والثالث: العبيد والإِماء، قاله الفراء.
والرابع: العبيد، والأنعام، والدواب، قاله الزجاج. قال الفراء: و «مَنْ» في موضع نصب، فالمعنى: جعلنا لكم فيها المعايش، والعبيد، والإِماء. ويقال: إِنها في موضع خفض، فالمعنى: جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين.
وقال الزجاج: المعنى: جعلنا لكم الدواب، والعبيد، وكُفيتم مؤونة أرزاقها.
فإن قيل: كيف قلتم: إن «مَنْ» هاهنا للوحوش والدواب، وإِنما تكون لمن يعقل؟ فالجواب: أنه لما وُصفت الوحوش وغيرها بالمعاش الذي الغالب عليه أن يوصَف به الناسُ، فيقال: للآدمي معاش، ولا يقال: للفرس معاش، جرت مجرى الناس، كما قال:
{ { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } [النمل 18]، وقال: { { رأيتهم لي ساجدين } [يوسف 4]، وقال: { كلٌّ في فلكٍ يسبَحون } [الأنبياء:33]، وإِن قلنا: أُريدَ به العبيد، والوحوش، فإنه إِذا اجتمع الناس وغيرهم، غُلِّب الناس على غيرهم، لفضيلة العقل والتمييز.