قوله تعالى: { أتى أمر الله } قرأ حمزة، والكسائي بالإِمالة.
سبب نزولها: أنه لما نزل قوله تعالى:
{ { اقتربت الساعة } [القمر: 1]، فقال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أنَّ القيامة قد اقتربت، فأمْسِكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر، فلما رأوا أنَّه لا ينزل شيء؛ قالوا: ما نرى شيئاً! فأنزل الله تعالى { { اقترب للناس حسابهم } [الأنبياء: 1] فأشفقوا، وانتظروا قرب الساعة، فلما امتدَّت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوِّفنا به. فأنزل الله تعالى: { أتى أمر الله }، فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع الناسُ رؤوسهم، فنزل: { فلا تستعجلوه } فاطمأنوا، قاله ابن عباس. وفي قوله: { أتى } ثلاثة أقوال:
أحدها: أتى بمعنى: يأتي، كما يقال: أتاك الخير فأبشر، أي: سيأتيك، قاله ابن قتيبة، وشاهدُه:
{ { ونادى أصحاب الجنة } [الأعراف 44]، { وإِذ قال الله يا عيسى } [المائدة 116] ونحو ذلك. والثاني: أتى بمعنى: قَرُب، قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن ذلك في قربه بمنزلة ما قد أتى.
والثالث: أن «أتى» للماضي، والمعنى: أتى بعض عذاب الله، وهو: الجدب الذي نزل بهم، والجوع. { فلا تستعجلوه } فينزل بكم مستقبلاً كما نزل ماضياً، قاله ابن الأنباري.
وفي المراد ب «أمر الله» خمسة أقوال:
أحدها: أنها الساعة، وقد يخرج على قول ابن عباس الذي قدمناه، وبه قال ابن قتيبة. والثاني: خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس، يعني: أن خروجه من أمارات الساعة.
وقال ابن الأنباري: أتى أمر الله من أشراط الساعة، فلا تستعجلوا قيام الساعة. والثالث: أنه الأحكام والفرائض، قاله الضحاك. والرابع: عذاب الله، ذكره ابن الأنباري. والخامس: وعيد المشركين، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: { فلا تستعجلوه } أي: لا تطلبوه قبل حينه، { سبحانه } أي: تنزيه له وبراءة من السوء عما يشركون به من الأصنام.
قوله تعالى: { ينزل الملائكة } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: { يُنْزِل } بإسكان النون وتخفيف الزاي. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: { ينزِّل } بالتشديد، وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: { تُنزَّل } بالتاء مضمومة، وفتح الزاي مشددة. { الملائكةُ } رفع. قال ابن عباس: يريد بالملائكة جبريل عليه السلام وحده.
وفي المراد بالروح ستة أقوال.
أحدها: الوحي، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه النبوَّة، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: أن المعنى: تنزل الملائكة بأمره، رواه العوفي عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: أن أمر الله كلَّه روح. قال الزجاج: الروح ما كان فيه من أمر الله حياة النفوس بالإِرشاد.
والرابع: أنه الرحمة. قاله الحسن، وقتادة.
والخامس: أن أرواح الخلق: لا ينزل ملك إِلا ومعه روح، قاله مجاهد.
والسادس: أنه القرآن، قاله ابن زيد. فعلى هذا سماه روحاً، لأن الدين يحيا به، كما أن الروح تُحيي البدن. وقال بعضهم: الباء في قوله: { بالروح } بمعنى: مع، فالتقدير: مع الروح، { من أمره } أي: بأمره { على من يشاء من عباده } يعني: الأنبياء، { أن أنذروا } قال الزجاج: والمعنى: أَنذِروا أهل الكفر والمعاصي { أنه لا إِله إِلا أنا } أي: مُروهم بتوحيدي، وقال غيره: أًنذروا بأنه لا إِله إِلا أنا، أي: مروهم بالتوحيد مع تخويفهم إِن لم يُقِرُّوا.