قوله تعالى: { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } يعني النساء. وفي معنى { من أنفسكم } قولان:
أحدهما: أنه خلَق آدم، ثم خلَق زوجته منه، قاله قتادة.
والثاني: «من أنفسكم»، أي: من جنسكم من بني آدم، قاله ابن زيد. وفي الحَفَدَة خمسة أقوال:
أحدها: أنهم الأصهار، أختان الرجل على بناته، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، ومجاهد في رواية، وسعيد بن جبير، والنخعي، وأنشدوا من ذلك:
ولو أنَّ نَفْسِي طاوعتني لأَصْبَحَتْ لها حَفَدٌ مِمَّا يُعدُّ كثيرُ
ولكنَّها نَفْسٌ عَلَيَّ أبِيَّةٌ عَيُوفٌ لأصهار اللئِام قذورُ
والثاني: أنهم الخدم، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية الحسن، وطاووس وعكرمة في رواية الضحاك، وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما: أنه يراد بالخدم: الأولاد. فيكون المعنى: أن الأولاد يَخدمون. قال ابن قتيبة: الحفدة: الخدم والأعوان، فالمعنى: هم بنون، وهم خدم. وأصل الحَفْد: مداركة الخطو والإِسراع في المشي، وإِنما يفعل الخدم هذا، فقيل لهم: حَفَدَة. ومنه يقال في دعاء الوتر: «وإِليك نسعى ونَحفِد». والثاني: أن يراد بالخدم، المماليك، فيكون معنى الآية: وجعل لكم من أزواجكم بنين، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج، ذكره ابن الأنباري. والثالث: أنهم بنو امرأة الرجل من غيره، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والرابع: أنهم ولد الولد، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والخامس: أنهم كبار الأولاد، والبنون: صغارهم، قاله ابن السائب، ومقاتل. قال مقاتل: وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم. قال الزجاج: وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين، ومن يعاون على ما يُحتاج إِليه بسرعة وطاعة.
قوله تعالى: { ورزقكم من الطيبات } قاله ابن عباس: يريد: من أنواع الثمار والحبوب والحيوان.
قوله تعالى: { أفبالباطل يؤمنون } فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الأصنام، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الشريك والصاحبة والولد، فالمعنى: يصدِّقون أن لله ذلك؟! قاله عطاء.
والثالث: أنه الشيطان، أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة، فصدَّقوا. وفي المراد ب «نعمة الله» ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها التوحيد، قاله ابن عباس. والثاني: القرآن والرسول.
والثالث: الحلال الذي أحلَّه الله لهم.
قوله تعالى: { ويعبُدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً } وفي المشار إِليه قولان:
أحدهما: أنها الأصنام، قاله قتادة. والثاني: الملائكة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: { من السموات } يعني: المطر، { و } من { الأرض } النبات، والثمر.
قوله تعالى: { شيئاً } قال الأخفش: جعل «شيئاً» بدلاً من الرزق، والمعنى: لا يملكون رزقاً قليلا ولا كثيرا، { ولا يَستطيعون } أي: لا يقدرون على شيء. قال الفراء: وإِنما قال في أول الكلام: «يملك» وفي آخره: «يستطيعون»، لأن «ما» في مذهب: جمعٌ لآلهتهم، فوحَّد «يملك» على لفظ «ما» وتوحيدها، وجمع في «يستطيعون» على المعنى، كقوله:
{ { ومنهم من يستمعون إِليك } [يونس: 42]. قوله تعالى: { فلا تضربوا لله الأمثال } أي: لا تشبِّهوه بخَلْقه، لأنه لا يُشْبِه شيئاً، ولا يُشبِهه شيء، فالمعنى: لا تجعلوا له شريكا.
وفي قوله: { إِن الله يعلم وأنتم لا تعلمون } أربعة أقوال:
أحدها: يعلم ضرب المثل، وأنتم لا تعلمون ذلك، قاله ابن السائب.
والثاني: يعلم أنه ليس له شريك، وأنتم لا تعلمون أنه ليس له شريك، قاله مقاتل.
والثالث: يعلم خطأ ما تضربون من الأمثال، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه.
والرابع: يعلم ما كان ويكون، وأنتم لا تعلمون قدر عظَمته حين أشركتم به، ونسبتموه إِلى العجز عن بعث خلقه.