قوله تعالى: { والله جعل لكم من بيوتكم سَكَناً } أي: موضعاً تسكنون فيه، وهي المساكن المتَّخَذة من الحجر والمدر تستر العورات والحُرَم، وذلك أن الله تعالى خلق الخشب والمدر والآلة التي بها يمكن بناء البيت وتسقيفه، { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا } وهي القباب والخيم المتخذة من الأدم { تستخفُّونها } أي: يخفُّ عليكم حملها { يوم ظعنكم } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو «ظَعَنِكُم» بفتح العين. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بتسكين العين، وهما لغتان، كالشَّعَر والشَّعْر، والنَّهَرِ والنَّهْرِ، والمعنى: إِذا سافرتم، { ويوم إِقامتكم } أي: لا تثقل عليكم في الحالين. { ومن أصوافها } يعني: الضأن { وأوبارها } يعني: الإِبل { وأشعارها } يعني: المعز { أثاثاً } قال الفراء: الأثاث: المتاع، لا واحد له، كما أن المتاع لا واحد له. والعرب تقول: جمع المتاع أمتعه، ولو جمعت الأثاث، لقلت: ثلاثة أإِثَّةٍ، وأُثُث: مثل أعثة وغُثث لا غير. وقال ابن قتيبة: الأثاث: متاع البيت من الفرش والأكسية. قال أبو زيد: واحد الأثاث: أثاثة. وقال الزجاج: يقال: قد أثَّ يَأَث أَثّاً: إِذا صار ذا أثاث. وروي عن الخليل أنه قال: أصله من الكثرة واجتماع بعض المتاع إِلى بعض، ومنه: شَعَر أثيث.
فأما قوله: { ومتاعاً } فقيل: إِنما جمع بينة وبين الأثاث، لاختلاف اللفظين.
وفي قوله: { إِلى حين } قولان:
أحدهما: أنه الموت، والمعنى: ينتفعون به إِلى حين الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: أنه إِلى حين البلى، فالمعنى: إِلى أن يَبلى ذلك الشيء، قاله مقاتل.
قوله تعالى: { والله جعل لكم مما خلق ظِلالا } أي: مايقيكم حر الشمس، وفيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه ظلال الغمام، قاله ابن عباس.
والثاني: ظلال البيوت، [قاله ابن السائب.
والثالث: ظلال الشجر، قاله قتادة، والزجاج.
والرابع: ظلال الشجر والجبال]، قاله ابن قتيبة.
والخامس: انه كل شيء له ظل من حائط، وسقف، وشجر، وجبل، وغير ذلك، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: { وجعل لكم من الجبال أكناناً } أي: مايَكُنُّكم من الحرِّ والبرد، وهي الغيران والأسراب. وواحد الأكنان «كِنّ» وكل شيء وقى شيئاً وستره فهو «كِنّ» { وجعل لكم سرابيل } وهي القُمُص { تقيكم الحر } ولم يقل: البرد، لأن ماوقى من الحر، وقى من البرد، وأنشد:
وَمَا أدْرِي إِذَا يمَّمْتُ أَرْضاً أُرِيْدُ الخَيْرَ أَيُّهما يَلَيْنِي
وقال الزجاج: إِنما خص الحرَّ، لأنهم كانوا في مكاناتهم أكثر معاناةً له من البرد، وهذا مذهب عطاء الخراساني. قوله تعالى: { وسرابيل تقيكم بأْسكم } يريد الدروع التي يتَّقون بها شدّة الطعن والضرب في الحرب.
قوله تعالى: { كذلك يتم نعمته عليكم } أي: مثلما أنعم الله عليكم بهذه الأشياء، يتم نعمته عليكم في الدنيا { لعلكم تُسلِمون } والخطاب لأهل مكة، وكان أكثرهم حينئذٍ كفاراً، ولو قيل: إِنه خطاب للمسلمين، فالمعنى: لعلكم تدومون على الإِسلام، وتقومون بحقه. وقرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وأبو رجاء: «لعلكم تَسلَمون» بفتح التاء واللام، على معنى: لعلكم إِذا لبستم الدروع تَسلَمون من الجراح في الحرب.
قوله تعالى: { فإن تَولَّوا } أعرضوا عن الإِيمان { فإنما عليك البلاغ المبين } وهذه عند المفسرين منسوخة بآية السيف.
قوله تعالى: { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } وفي هذه النعمة قولان:
أحدهما: أنها [المساكن] نعم الله عز وجل عليهم في الدنيا. وفي إِنكارها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم يقولون: هذه ورثناها [عن آبائنا]. روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نِعَم الله: المساكن، والأنعام، وسرابيل الثياب، والحديد، يعرفه كفار قريش، ثم ينكرونه بأن يقولوا: هذا كان لآبائنا ورثناه عنهم، وهذا عن مجاهد. والثاني: أنهم يقولون: لولا فلان، لكان كذا، فهذا إِنكارهم، قاله عون بن عبد الله. والثالث: يعرفون أن النعم من الله، ولكن يقولون: هذه بشفاعة آلهتنا، قاله ابن السائب، والفراء وابن قتيبة.
والثاني: أن المراد بالنعمة هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه نبيٌّ ثم يكذِّبونه، وهذا مروي عن مجاهد، والسدي، والزجاج.
قوله تعالى: { وأكثرهم الكافرون } قال الحسن: وجميعهم كفار، فذكر الأكثر، والمراد به الجميع.