خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
٩٧
ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
٩٨
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً
٩٩
قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً
١٠٠
-الإسراء

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { من يهدي الله فهوالمهتدي } قرأ نافع، وأبو عمرو بالياء في الوصل، وحَذَفاها في الوقف. وأثبتها يعقوب في الوقف، وحذفها الأكثرون في الحالتين. «من يهد الله» قال ابن عباس: من يرد الله هداه { فهو المهتد ومن يُضْلِل فلن تجد لهم أولياء من دونه } يَهدونهم.

قوله تعالى: { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه يمشِّيهم على وجوههم، وشاهِده ما روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث أنس بن مالك "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: إِن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا، قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة" .

والثاني: أن المعنى: ونحشرهم مسحوبين على وجوههم، قاله ابن عباس.

والثالث: نحشرهم مسرعين مبادرين، فعبَّر بقوله: «على وجوههم» عن الإِسراع، كما تقول العرب: قد مَرَّ القوم على وجوههم: إِذا أسرعوا، قاله ابن الأنباري.

قوله تعالى: { عمياً وبكماً وصماً } فيه قولان.

أحدهما: عمياً لا يرون شيئاً يَسرُّهم، وبكماً لا ينطقون بحجَّة، وصماً لا يسمعون شيئاً يسرُّهم، قاله ابن عباس. وقال في رواية: عمياً عن النظر إِلى ما جعل لأوليائه، وبكماً عن مخاطبة الله، وصماً عما مدح به أولياءه، وهذا قول الأكثرين.

والثاني: أن هذا الحشر في بعض أحوال القيامة بعد الحشر الأول. قال مقاتل: هذا يكون حين يقال لهم: { { اخسؤوا فيها } [المؤمنون: 108] فيصيرون عمياً بكماً صماً لا يرون ولا يسمعون ولا ينطقون بعد ذلك.

قوله تعالى: { كلما خَبَتْ } قال ابن عباس: أي: سكنت. قال المفسرون: وذلك أنها تأكلهم، فإذا لم تُبق منهم شيئاً وصاروا فحماً ولم تجد شيئاً تأكله، سكنت، فيُعادُون خلقاً جديداً، فتعود لهم. وقال ابن قتيبة: يقال: خبت النار: إِذا سكن لهبها. فالَّلهب يسكن، والجمر يعمل، فإن سكن الَّلهب، ولم يُطفَأ الجمر، قيل: خَمَدت تَخْمُدُ خُمُوداً، فإن طُفئت ولم يبق منها شيء، قيل: هَمَدت تَهْمُد هُمُوداً. ومعنى { زدناهم سعيراً }: ناراً تتسعر، أي: تتلهَّب. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [الاسراء: 49] إِلى قوله: { قادر على أن يخلق مثلهم } أي: على أن يخلقهم مرة ثانية، وأراد بـ «مثلهم» إِياهم، وذلك أن مِثْل الشيءِ مساوٍ له، فجاز أن يعبّر به عن نفس الشيء، يقال: مِثْلُك لا يفعل هذا، أي: أنت، ومثله قوله: { { فان آمنوا بمثل ما آمنتم به } [البقرة: 137]، وقد تم الكلام عند قوله: { مِثلَهم }، ثم قال: { وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه } يعني: أجل البعث { فأبى الظالمون إِلا كُفوراً } أي: جحوداً بذلك الأجل.

قوله تعالى: { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي } قال الزجاج: المعنى: لو تملكون أنتم، قال المتلمِّس:

وَلَوْ غيرُ أَخْوَالِي أَرَادُوا نَقِيصَتِي نَصبْتُ لهم فَوْقَ العرانينِ مِيسَما

المعنى: لو أراد غير أخوالي.

وفي هذه الخزائن قولان.

أحدهما: خزائن الأرزاق. والثاني: خزائن النِّعم، فيخرج في الرحمة قولان. أحدهما: الرِّزق. والثاني: النِّعمة. وتحرير الكلام: لو ملكتم ما يملكه الله عز وجل لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفاقة. { وكان الإِنسان } يعني: الكافر { قتوراً } أي: بخيلاً مُمْسِكاً؛ يقال: قَتَر يَقْتُرُ، وقَتَر يَقْتِرُ: إِذا قصَّر في الإِنفاق. وقال الماوردي: لو ملك أحد من المخلوقين من خزائن الله تعالى، لما جاد كجود الله تعالى، لأمرين. أحدهما: أنه لا بد أن يُمسِك منه لنفقته ومنفعته. والثاني: أنه يخاف الفقر، والله تعالى منزَّه في جُوده عن الحالين.

ثم إِن الله تعالى ذكر إِنكار فرعون آيات موسى، تشبيهاً بحال هؤلاء المشركين، فقال: { ولقد آتينا موسى تسع آيات } وفيها قولان.

أحدهما: أنها بمعنى المعجزات والدلالات، ثم اتفق جمهور المفسرين على سبع آيات منها، وهي: يده، والعصا، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، واختلفوا في الآيتين الآخرتين على ثمانية أقوال.

أحدها: أنهما لسانه والبحر الذي فلق له، رواه العوفي عن ابن عباس؛ يعني بلسانه: أنه كان فيه عقدة فحلَّها الله تعالى له.

والثاني: البحر والجبل الذي نُتق فوقهم، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: السّنون ونقص الثمرات، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، وقتادة. وقال الحسن: السِّنون ونقص الثمرات آية واحدة.

والرابع: البحر والموت أُرسل عليهم، قاله الحسن، ووهب.

والخامس: الحَجَر والبحر، قاله سعيد بن جبير.

والسادس: لسانه وإِلقاء العصا مرتين عند فرعون، قاله الضحاك.

والسابع: البحر والسِّنون، قاله محمد بن كعب.

والثامن: ذكره [محمد بن إِسحاق عن] محمد بن كعب أيضاً، فذكر السبع الآيات الأولى، إِلا أنه جعل مكان يده البحر، وزاد الطمسة والحجر، يعني قوله: { { اطمس على أموالهم } [يونس: 88].

والثاني: أنها آيات الكتاب، روى أبو داود السجستاني من حديث صفوان بن عسّال، "أن يهودياً قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبيّ، فقال الآخر: لا تقل: إِنه نبيٌّ، فإنه لو سمع ذلك، صارت له أربعة أعين؛ فأتَيَاه، فسألاه عن تسع آيات بيِّنات، فقال: لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إِلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تَسرقوا، ولا تأكلوا الرِّبا، ولا تمشوا بالبريء إِلى السلطان ليقتلَه، ولا تَسْحَروا، ولا تقذفوا المحصنات، ولا تَفِرُّوا من الزَّحف، وعليكم خاصّةً يهودُ ألاّ تَعْدُوا في السبتِ، قال: فقبَّلا يده، وقالا: نشهد أنك نبيّ" .