قوله تعالى: {آسْجُدُ} قرأه الكوفيون: بهمزتين. وقرأه الباقون: بهمزة مطوَّلة؛ وهذا استفهام إِنكار، يعني به: لم أكن لأفعل.
قوله تعالى: {لمن خلقتَ طيناً} قال الزجاج: «طيناً» منصوب على وجهين. أحدهما: التمييز، المعنى: لمن خلقتَه من طين. والثاني: على الحال، المعنى: أنشأتَه في حال كونه من طين. ولفظ {قال أرأيتَك} جاء هاهنا بغير حرف عطف، لأن المعنى: قال آسجد لمن خلقتَ طيناً، وأرأيتَكَ، وهي في معنى: أخبرني، والكاف ذُكرت في المخاطبة توكيداً، والجواب محذوف، والمعنى: أَخبِرني عن هذا الذي كرَّمت عليَّ، لم كرَّمتَهُ عليَّ وقد خلقتَني من نار وخلقتَه من طين؟! فحذف هذا، لأن في الكلام دليلاً عليه.
قوله تعالى: {لئن أَخَّرْتَنِ إِلى يوم القيامة} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: «أخرتني» بياء في الوصل. ووقف ابن كثير بالياء. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، بغير ياء في وصل ولا في وقف.
قوله تعالى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِيَّتَهُ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لأَستولِيَنَّ عليهم، قاله ابن عباس، والفراء.
والثاني: لأُضِلَّنَّهم، قاله ابن زيد.
والثالث: لأَستأصلنَّهم؛ يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض: إِذا أكله؛ واحْتَنَكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إِذا استقصاه، فالمعنى: لأَقودنَّهم كيف شئتُ، هذا قول ابن قتيبة.
فإن قيل: من أين عَلِمَ الغيب. فقد أجبنا عنه في سورة [النساء: 119].
قوله تعالى: {إِلا قليلاً} قال ابن عباس: هم أولياء الله الذين عصمهم.
قوله تعالى: {قال اذهب} هذا اللفظ يتضمن إِنظاره؛ {فمن تبعك}، أي: تبع أمرك منهم، يعني: ذرية آدم. والموفور: الموفَّر. قال ابن قتيبة: يقال: وفَّرْتُ ماله عليه، ووَفَرْتُه، بالتخفيف والتشديد.
قوله تعالى: {واستَفْزِز مَن استطعتَ منهم} قال ابن قتيبة: اسْتَخِفَّ، ومنه تقول: استَفَزَّني فلان.
وفي المراد بصوته قولان. أحدهما: أنه كل داعٍ دعا إِلى معصية الله، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الغناء والمزامير، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {وأَجْلِب عليهم} أي: صِح {بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ} واحثثهم عليهم بالإِغراء؛ يقال: أجلبَ القوم وجلَّبوا: إِذا صاحوا. وقال الزجاج: المعنى: اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك؛ فعلى هذا تكون الباء زائدة. قال ابن قتيبة: والرَّجْلُ: الرَّجَّالة؛ يقال: رَاجِلٌ ورَجْل، مثل تاجر وتَجْر، وصاحِب وصَحْب. قال ابن عباس: كلّ خيل تسير في معصية الله، وكلّ رَجُل يسير في معصية الله. وقال قتادة: إِن له خيلاً ورَجْلاً من الجن والإِنس. وروى حفص عن عاصم: «بخيلك ورَجِلِكَ» بكسر الجيم، وهي قراءة ابن عباس، وابي رزين، وأبي عبد الرحمن السُّلَمي. قال أبو زيد: يقال: رَجُلٌ رَجِلٌ: للراجل، ويقال: جاءنا حافياً رجِلاً. وقرأ ابن السميفع، والجحدري: «بخيلك ورُجَّالك» برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعكرمة: «ورِجَالك» بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف.
قوله تعالى: {وشاركهم في الأموال} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنها ما كانوا يحرِّمونه من أنعامهم، رواه عطية عن ابن عباس. والثاني: الأموال التي أصيبت من حرام، قاله مجاهد.
والثالث: التي أنفقوها في معاصي الله، قاله الحسن.
والرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
فأما مشاركته إِياهم في الأولاد، ففيها أربعة أقوال.
أحدها: أنهم أولاد الزنا، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: الموؤودة من أولادهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه تسمية أولادهم عبيداً لأوثانهم، كعبد شمس، وعبد العزى، وعبد مناف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والرابع: ما مَجَّسُوا وهوَّدُوا ونصَّرُوا، وصبغُوا من أولادهم غير صبغة الإِسلام، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {وعِدْهم} قد ذكرناه في قوله
{ يعدهم ويمنِّيهم... } إِلى آخر الآية [النساء: 120]. وهذه الآية لفظها لفظ الأمر، ومعناها التهديد، ومثلها في الكلام أن تقول للانسان: اجهد جهدك فسترى ما ينزل بك. قال الزجاج: إذا تقدم الأمرَ نهيٌ عما يؤمر به، فمعناه التهديد والوعيد، تقول للرجل: لا تدخُلَنْ هذه الدار؛ فاذا حاول أن يدخلها قلت: ادخُلها وأنت رجل، فلستَ تأمره بدخولها، ولكنك تُوعِده وتهدِّده، ومثله { اعملوا ما شئتم } [فصِّلت: 40]، وقد نُهُوا أن يعملوا بالمعاصي. وقال ابن الانباري: هذا أمر معناه التهديد، تقديره: إِن فعلت هذا عاقبناك وعذَّبناك، فنقل إِلى لفظ الأمر عن الشرط، كقوله: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [الكهف: 29]. قوله تعالى: {إِن عبادي ليس لك عليهم سلطان} قد شرحناه في [الحجر: 42].
قوله تعالى: {وكفى بربك وكيلاً} قال الزجاج: كفى به وكيلاً لأوليائه يعصمهم من القبول من إِبليس.