خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧١
وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٧٢
-الإسراء

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { يوم ندعو } قال الزجاج: هو منصوب على معنى: اذكر { يوم ندعو كل أُناس بإمامهم } والمراد به: يوم القيامة. وقرأ الحسن البصري: «يوم يدعو» بالياء { كلَّ } بالنصب. وقرأ أبو عمران الجوني: «يوم يُدعى» بياء مرفوعة، وفتح العين، وبعدها ألف، «كلُّ» بالرفع.

وفي المراد بإمامهم أربعة أقوال.

أحدها: أنه رئيسهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وروى عنه سعيد بن جبير أنه قال: إِمام هدى أو إِمام ضلالة. والثاني: عملُهم، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وأبوالعالية.

والثالث: نبيُّهم، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد في رواية.

والرابع: كتابُهم، قاله عكرمة، ومجاهد في رواية. ثم فيه قولان. أحدهما: أنه كتابهم الذي فيه أعمالهم، قاله قتادة، ومقاتل. والثاني: كتابهم الذي أُنزل عليهم، قاله الضحاك، وابن زيد. فعلى القول الأول يقال: يا متَّبعي موسى، يا متَّبعي عيسى، يا متَّبعي محمَّدٍ؛ ويقال: يا متَّبعي رؤساء الضلالة. وعلى الثاني: يا من عمل كذا وكذا. وعلى الثالث: يا أُمَّة موسى، يا أُمَّة عيسى، يا أُمَّة محمد. وعلى الرابع: يا أهل التوراة، يا أهل الإِنجيل، يا أهل القرآن. أو يا صاحب الكتاب الذي فيه عمل كذا وكذا.

قوله تعالى: { فأولئك يقرؤون كتابهم } معناه: يقرؤون حسناتِهم، لأنهم أخذوا كتبهم بأيْمانهم.

قوله تعالى: { ولا يُظلمون فتيلاً } أي: لا ينقصون من ثوابهم بقدر الفتيل، وقد بيَّنَّاه في سورة [النساء: 49].

قوله تعالى: { ومن كان في هذه أعمى } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: «أعمى فهو في الآخرة أعمى» مفتوحتي الميم. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بكسر الميمين. وقرأ أبو عمرو: «في هذه أعمى» بكسر الميم، «فهو في الآخرة أعمى» بفتحها.

وفي المشار إِليها بـ «هذه» قولان.

أحدهما: أنها الدنيا، قاله مجاهد. ثم في معنى الكلام خمسة أقوال.

أحدها: من كان في الدنيا أعمى عن معرفة قدرة الله في خَلْق الأشياء، فهو عمّا وُصِف له في الآخرة أعمى، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: من كان في الدنيا أعمى بالكفر، فهو في الآخرة أعمى، لأنه في الدنيا تُقبَل توبته، وفي الآخرة لا تُقبَل، قاله الحسن.

والثالث: من عمي عن آيات الله في الدنيا، فهو عن الذي غيِّب عنه من أمور الآخرة أشدّ عمىً.

والرابع: من عمي عن نِعَم الله التي بيَّنها في قوله: { ربُّكم الذي يزجي لكم الفُلْك في البحر } إِلى قوله: { تفضيلا } فهو في الآخرة أعمى عن رشاده وصلاحه، ذكرهما ابن الأنباري.

والخامس: من كان فيها أعمى عن الحُجَّة، فهو في الآخرة أعمى عن الجنة، قاله أبو بكر الورّاق.

والثاني: أنها النِّعم. ثم في الكلام قولان. أحدهما: من كان أعمى عن النِّعم التي تُرى وتُشاهَد، فهو في الآخرة التي لم تُر أعمى، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: من كان أعمى عن معرفة حق الله في هذه النِّعم المذكورة في قوله: { ولقد كرَّمنا بني آدم } ولم يؤدِّ شكرها، فهو فيما بينه وبين الله مما يُتقرَّب به إِليه أعمى { وأضل سبيلاً }، قاله السدي. قال أبو علي الفارسي: ومعنى قوله: { في الآخرة أعمى } أي: أشدُّ عمىً، لأنه كان في الدنيا يمكنه الخروج عن عَمَاهُ بالاستدلال، ولا سبيل له في الآخرة إِلى الخروج من عماه. وقيل: معنى العمى في الآخرة: أنه لا يهتدي إِلى طريق الثواب، وهذا كلُّه من عمى القلب.

فإن قيل: لم قال: { فهو في الآخرة أعمى } ولم يقل: أشدُّ عمىً، لأن العمى خِلْقة بمنزلة الحُمرة، والزُّرقة، والعرب تقول: ما أشدَّ سواد زيد، وما أبْيَنَ زرقة عمرو، وقلَّما يقولون: ما أسود زيداً، وما أزرق عمراً؟

فالجواب: أن المراد بهذا العمى عمى القلب، وذلك يتزايد ويحدث منه شيء بعد شيء، فيخالف الخِلَقَ اللاّزِمة التي لا تزيد، نحو عمى العين، والبياض، والحمرة، ذكره ابن الأنباري.