خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
١٨
-الكهف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وتحسَبُهم أيقاظاً } أي: لو رأيتَهم لحسِبتَهم أيقاظاً. قال الزجاج: الأيقاظ: المنتبهون، واحدهم: يَقِظ، ويَقْظان، والجميع: أيقاظ؛ والرقود: النيام. قال الفراء: واحد الأيقاظ: يَقُظ، ويَقِظ. قال ابن السائب: وإِنما يُحسَبون أيقاظاً، لأن أعينهم مفتَّحة وهم نيام. وقيل: لتقلُّبهم يميناً وشمالاً. وذكر بعض أهل العلم: أن وجه الحكمة في فتح أعينهم، أنه لو دام طَبْقها لذابت.

قوله تعالى: { ونُقَلِّبهم } وقرأ أبو رجاء: «وتَقْلِبُهم» بتاء مفتوحة، وسكون القاف، وتخفيف اللام المكسورة. وقرأ أبو الجوزاء، وعكرمة: «ونَقْلِبُهم» مثلها، إِلا أنه بالنون. { ذاتَ اليمين } أي: على أيْمانهم وعلى شمائلهم. قال ابن عباس: كانوا يُقلَّبون في كل عام مرتين، ستة أشهر على هذا الجنب، وستة أشهر على هذا الجنب، لئلا تأكل الأرض لحومهم. وقال مجاهد: كانوا ثلاثمائة عام على شِقّ واحد، ثم قُلِّبوا تسع سنين. قوله تعالى: { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } أخبر أن الكلب كان على مثل حالهم في النوم، وهو في رأي العين منتبه. وفي الوصيد أربعة أقوال.

أحدها: أنه الفِناء فِناء الكهف، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والفراء. قال الفراء: يقال: الوَصِيد والأَصِيد لغتان، مثل الإكفاف والوكاف. وأرَّخت الكتاب وورَّخت، ووكدت الأمر وأكَّدت؛ وأهل الحجاز يقولون: الوَصيد، وأهل نجد يقولون: الأَصِيد، وهو: الحظيرة والفِناء.

والثاني: أنه الباب، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي. وقال ابن قتيبة: فيكون المعنى: وكلبهم باسط ذراعيه بالباب، قال الشاعر:

بِأرْضِ فَضَاءٍ لا يُسَدُّ وَصِيدُها عليَّ ومَعْرُوفي بها غيرُ مُنْكَرِ

والثالث: أنه الصعيد، وهو التراب، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد في رواية عنهما.

والرابع: أنه عتبة الباب، قاله عطاء. قال ابن قتيبة: وهذا أعجب إليَّ، لأنهم يقولون: أَوصِد بابك، أي: أَغلِقه، ومنه قوله: { إِنها عليهم مؤصَدة } [الهُمَزة: 8]، أي: مُطْبَقة مُغْلَقة، وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إِذا أغلقته، ومما يوضح هذا أنك إِذا جعلت الكلب بالفِناء، كان خارجاً من الكهف، وإِن جعلته بعتبة الباب، أمكن أن يكون داخل الكهف، والكهفُ وإِن لم يكن له باب وعتبة، فانما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت، فاستُعير.

قوله تعالى: { لو اطَّلعتَ عليهم } [وقرأ الأعمش، وأبو حصين: «لوُ اطلعت» بضم الواو] { لوليَّتَ منهم فراراً } رهبة لهم { ولملئت } قرأ عاصم، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «ولَمُلِئْتَ» خفيفة مهموزة. وقرأ ابن كثير، ونافع: «ولَمُلِّئْتَ» مشددة مهموزة، { رُعْباً } [أي]: فزعاً وخوفاً، وذلك أن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يدخل إِليهم أحد. وقيل: إِنهم طالت شعورهم وأظفارهم جداً، فلذلك كان الرائي لهم لو رآهم هرب مرعوباً، حكاه الزجاج.