قوله تعالى: { إن الذين آمنوا } فيهم خمسة أقوال.
أحدها: أنهم قوم كانوا مؤمنين بعيسى قبل أن يُبعث محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم الذين آمنوا بموسى، وعملوا بشريعته إلى أن جاء عيسى، فآمنوا به وعملوا بشريعته إلى أن جاء محمد. وهذا قول السدي عن أشياخه. والثالث: أنهم المنافقون، قاله سفيان الثوري. والرابع: أنهم الذين كانوا يطلبون الإسلام، كقس بن ساعدة، وبحيرا، وورقة بن نوفل، وسلمان. والخامس: أنهم المؤمنون من هذه الأمة.
قوله تعالى: { والذين هادوا } قال الزجاج: أصل هادوا في اللغة: تابوا. وروي عن ابن مسعود أن اليهود سموا بذلك، لقول موسى: { هدنا إليك }، والنصارى لقول عيسى: { من أنصاري إلى الله }. وقيل: سموا النصارى لقرية، نزلها المسيح، اسمها: ناصرة، وقيل: لتناصرهم.
فأما «الصابئون» فقرأ الجمهور بالهمز في جميع القرآن، وكان نافع لا يهمز كل المواضع. قال الزجاج: معنى الصابئين: الخارجون من دين إلى دين، يقال: صبأ فلان: إذا خرج من دينه. وصبأت النجوم: إذا طلعت [وصبأ نابُه: إِذا خرج].
وفي الصابئين سبعة أقوال.
أحدها: أنه صنف من النصارى ألين قولاً منهم، وهم السائحون المحلَّقة أوساط رؤوسهم، روي عن ابن عباس.
والثاني: أنهم قوم بين النصارى والمجوس، ليس لهم دين، قاله مجاهد.
والثالث: أنهم قوم بين اليهود والنصارى، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: قوم كالمجوس، قاله الحسن والحكم.
والخامس: فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور، قاله أبو العالية.
والسادس: قوم يصلون إلى القبلة، ويعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور، قاله قتادة.
والسابع: قوم يقولون: لا إِله إلا الله، فقط، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: { من آمن } في إعادة ذكر الإيمان ثلاثة أقوال. أحدها: أنه لما ذكر مع المؤمنين طوائف من الكفار رجع قوله: { من آمن } إليهم. والثاني: أن المعنى من أقام على إيمانه. والثالث: أن الايمان الأول نطق المنافقين بالإسلام. والثاني: اعتقاد القلوب.
قوله تعالى: { وعمل صالحاً }
قال ابن عباس: أقام الفرائض.
فصل
وهل هذه الآية محكمة أم منسوخة؟ فيه قولان.
أحدهما: أنها محكمة، قاله مجاهد والضحاك في آخرين، وقدروا فيها: إن الذين آمنوا، ومن آمن من الذين هادوا. والثاني: أنها منسوخة بقوله: { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه }، ذكره جماعة من المفسرين.