خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ
٤٩
قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ
٥٠
قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ
٥١
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى
٥٢
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ
٥٣
كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ
٥٤
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ
٥٥
-طه

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { قال فَمَنْ ربُّكما } في الكلام محذوف معناه معلوم، وتقديره: فأتَياه فأَدَّيا الرسالة. قال الزجاج: وإِنما لم يقل: فأتَياه، لأن في الكلام دليلاً على ذلك، لأن قوله: «فمن ربُّكما» يدل على أنهما أتياه وقالا له.

قوله تعالى: { أعطى كُلَّ شيء خَلْقَه } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أعطى كُلَّ شيء صورته، فخلق كُلَّ جنس من الحيوان على غير صورة جنسه، فصورة ابن آدم لا كصورة البهائم، وصورة البعير لا كصورة الفرس، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير.

والثاني: أعطى كل ذكر زوجَه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال السدي، فيكون المعنى: أعطى كُلَّ حيوان ما يشاكله.

والثالث: أعطى كل شيء ما يُصْلِحه، قاله قتادة.

وفي قوله: { ثم هدى } ثلاثة أقوال.

أحدها: هدى كيف يأتي الذَّكَرُ الأنثى، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال ابن جبير.

والثاني: هدى للمنكح والمطعم والمسكن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثالث: هدى كل شيء إِلى معيشته، قاله مجاهد. وقرأ عمر بن الخطاب، وابن عباس، والأعمش، وابن السميفع، ونصير عن الكسائي: «أعطى كُلَّ شيء خَلَقَهُ» بفتح اللام.

فإن قيل: ما وجه الاحتجاج على فرعون من هذا؟

فالجواب: أنه قد ثبت وجود خَلْق وهداية، فلا بد من خالقٍ وهادٍ.

قوله تعالى: { قال فما بال القرون الأولى } اختلفوا فيما سأل عنه من حال القرون الأولى على ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه سأله عن أخبارها وأحاديثها، ولم يكن له بذلك عِلْم، إِذ التوراة إِنما نزلت عليه بعد هلاك فرعون، فقال: { عِلْمها عند ربِّي }، هذا مذهب مقاتل. وقال غيره: أراد: إِنِّي رسول، وأخبار الأمم عِلْم غيب، فلا علم لي بالغيب.

والثاني: أن مراده من السؤال عنها: لم عُبدت الأصنامُ، ولِم لم يُعبدِ اللهُ إِن كان الحقُّ ما وصفتَ؟!

والثالث: أن مراده: ما لها لا تُبعث ولا تُحاسَب ولا تجازى؟! فقال: عِلْمها عند الله، أي: عِلْم أعمالها. وقيل: الهاء في «عِلْمُها» كناية عن القيامة، لأنه سأله عن بعث الأمم، فأجابه بذلك.

وقوله: { في كتاب } أراد: اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: { لا يضلُّ ربِّي ولا يَنْسى } وقرأ عبد الله بن عمرو، وعاصم الجحدري، وقتادة، وابن محيصن: «لا يُضِلُّ» بضم الياء وكسر الضاد، أي: لا يضيِّعه. وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: «لا يُضَل» بضم الياء وفتح الضاد. وفي هذه الآية توكيد للجزاء على الأعمال، والمعنى: لا يخطىء ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم. وقيل: أراد: لم يجعل ذلك في كتاب لأنه يضل وينسى.

قوله تعالى: { الذي جَعَل لكم الأرض مهاداً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «مهاداً». وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: «مهداً» بغير ألف. والمهاد: الفراش، والمهد: الفرش. { وسلك لكم } أي: أدخل لأجْلكم في الأرض طُرُقاً تسلكونها، { وأنزل من السماء ماءً } يعني: المطر. وهذا آخر الإِخبار عن موسى. ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله: { فأخرجنا به } يعني: بالماء { أزواجاً من نبات شتّى } أي: أصنافاً مختلفة في الألوان والطُّعوم، كل صنف منها زوج. و«شتى» لا واحد له من لفظه. { كُلُوا } أي: مما أخرجنا لكم من الثمار { وارعَوْا أنعامكم } يقال: رعى الماشية، يرعاها: إِذا سرَّحها في المرعى. ومعنى هذا الأمر: التذكير بالنِّعم، { إِنَّ في ذلكَ لآياتٍ } أي: لَعِبَراً في اختلاف الألوان والطعوم { لأولي النُّهى } قال الفراء: لذوي العقول، يقال للرجل: إِنه لذو نُهْيَةٍ: إِذا كان ذا عقل. قال الزجاج: واحد النُّهى: نُهْيَة، يقال: فلان ذو نُهْيَة، أي: ذو عقل ينتهي به عن المقابح، ويدخل به في المحاسن؛ قال: وقال بعض أهل اللغة: ذو النُّهية: الذي يُنتهى ِإِلى رأيه وعقله، وهذا حسن أيضاً.

قوله تعالى: { منها خلقناكم } يعني: الأرض المذكورة في قوله: «جعل لكم الأرض مهاداً». والإِشارة بقوله: «خلقناكم» إِلى آدم، والبشر كلُّهم منه. { وفيها نُعِيدكم } بعد الموت { ومنها نُخْرِجكم تارة } أي: مَرَّة { أُخرى } بعد البعث، يعني: كما أخرجناكم منها أولاً عند خلق آدم من الأرض.