خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ
٩٥
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
٩٦
قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً
٩٧
إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً
٩٨
-طه

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { فما خطبك يا سامري } أي: ما أمرك وشأنك الذي دعاك إِلى ما صنعت؟! قال ابن الأنباري: وبعض اللغويين يقول: الخطب مشتق من الخطاب. المعنى: ما أمرُك الذي تخاطب فيه؟!

واختلفوا في اسم السامري على قولين.

أحدهما: موسى أيضاً، قاله وهب بن منبه، وقال: كان ابن عم موسى بن عمران.

والثاني: ميخا، قاله ابن السائب.

وهل كان من بني إِسرائيل، أم لا؟ فيه قولان.

أحدهما: لم يكن منهم، قاله ابن عباس.

والثاني: كان من عظمائهم، وكان من قبيلة تسمى «سامرة»، قاله قتادة. وفي بلده قولان.

أحدهما: كرمان، قاله سعيد بن جبير.

والثاني: باجرما، قاله وهب.

قوله تعالى: { بَصُرْتُ بما لم يَبْصُروا به } وقرأ حمزة والكسائي: «تَبصروا»، بالتاء. فعلى قراءة الجمهور أشار إِلى بني إِسرائيل، وعلى هذه القراءة خاطب الجميع. قال أبو عبيدة: علمت ما لم تعلموا. قال: وقوم يقولون: بصرت، وأبصرت سواء، بمنزلة أسرعت، وسَرُعت. وقال الزجاج: يقال: بصُر الرجل يبصُر: إِذا صار عليماً بالشيء، وأبصر يبصر: إِذا نظر. قال المفسرون: فقال له موسى: وما ذاك؟ قال: رأيت جبريل على فرس، فأُلقي في نفسي: أن اقبض من أثرها { فقبضت قبضة }، وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، ومعاذ القارىء: «قبصة» بالصاد. وقال الفراء: والقبضة بالكفِّ كلِّها، والقبصة ـ بالصاد ـ بأطراف الأصابع. قال ابن قتيبه: ومثل هذا: الخضم بالفم كله، والقضم بأطراف الأسنان، والنضخ أكثر من النضح، والرجز: العذاب، والرجس: النتن، والهُلاس في البدن، والسُّلاس في العقل، والغلط في الكلام، والغلت في الحساب، والخصر: الذي يجد البرد، والخرص: الذي يجد البرد والجوع، والنار الخامدة: التي قد سكن لَهَبها ولم يطفأ جمرها، والهامدة: التي طفئت فذهبت البتَّة، والشُّكْد: العطاء ابتداءً، فإن كان جزاءً فهو شُكْم، والمائح: الذي يدخل البئر فيملأ الدلو، والماتح: الذي ينزعها.

قوله تعالى: { فنبذتها } أي: فقذفتها في العجل. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: «فنبذتها» بالإِدغام { وكذلك } أي: وكما حدثتك { سوَّلتْ لي نفسي } أي: زيَّنتْ لي { قال } موسى { اذهب } أي: من بيننا { فإن لك في الحياة } أي: ما دمت حياً { أن تقول لا مساس } أي: لا أَمسُّ ولا أُمَسُّ، فصار السامريُّ يهيم في البرِّيَّة مع الوحش والسباع، لا يمسَّ أحداً، ولاَ يمَسُّه أحدٌ، عاقبه الله بذلك، وألهمه أن يقول: «لا مساس»، وكان إِذا لقيَ أحداً يقول: لا مساس، أي: لا تقربني، ولا تمسني، وصار ذلك عقوبة لولده، حتى إِن بقاياهم اليوم، فيما ذكر أهل التفسير، بأرض الشام يقولون ذلك. وحكي أنه إِن مس واحدٌ من غيرهم واحداً منهم، أخذتهما الحمَّى في الحال.

قوله تعالى: { وإِن لك موعداً } أي: لعذابك يوم القيامة { لن تُخلَفَه } أي: لن يتأخر عنك. ومن كسر لام «تخلف» أراد: لن تغيب عنه.

قوله تعالى: { وانظر إِلى إِلهك } يعني: العجل { الذي ظَلْت } قال ابن عباس: معناه: أقمت عليه. وقال الفراء: معنى «ظلت»: فعلته نهاراً. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو الجوزاء، وابن يعمر: «ظُلت» برفع الظاء. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، والأعمش، وابن أبي عبلة: «ظِلت» بكسر الظاء. وقال الزجاج: «ظَلت» و«ظلت» بفتح الظاء، وكسرها، فمن فتح، فالأصل فيه: «ظللت» ولكن اللام حذفت لثقل التضعيف والكسر، وبقيت الظاء على فتحها، ومن قرأ: «ظِلت» بالكسر، حوَّل كسرة اللام على الظاء. ومعنى { عاكفاً } مقيماً، { لنحرِّقنَّه } قرأ الجمهور «لنحرقنَّه» بضم النون وفتح الحاء وتشديد الراء. وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو رزين، وابن معمر: «لنَحْرقنه» بفتح النون وسكون الحاء ورفع الراء مخففة. وقرأ أبو هريرة، والحسن، وقتادة: «لنحرقنه» برفع النون وإِسكان الحاء وكسر الراء مخففة. قال الزجاج: إِذا شدد، فالمعنى: نحرقه مرة بعد مرة. وتأويل «لنحرقنَّه»: لنبردنَّه، يقال: حرقت أحرُق وأحْرِق: إِذا بردت الشيء. والنسف: التذرية. وجاء في التفسير: أن موسى أخذ العجل فذبحه. فسال منه دم، لأنه كان قد صار لحماً ودماً، ثم أحرقه بالنار، ثم ذراه في البحر، ثم أخبرهم موسى عن إِلههم، فقال: { إِنما إِلهكم الله الذي لا إِله إِلا هو } أي: هو الذي يستحق العبادة، لاالعجل، { وسع كل شيءٍ علماً } أي: وسع علمه كل شيء.