خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ
١٦
لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ
١٧
بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
١٨
وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ
١٩
يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ
٢٠
أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ
٢١
لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
٢٢
لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
٢٣
أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٤
-الأنبياء

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } أي: لم نخلق ذلك عبثاً، إِنما خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيَّتِنا ليعتبر الناس بخَلْقه، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إِلا لخالقه، لنجازيَ أولياءنا، ونعذِّبَ أعداءنا.

قوله تعالى: { لو أردنا أن نَتَّخذ لهواً } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن المشركين لما قالوا: الملائكة بنات الله والآلهة بناته، نزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن نصارى نجران قالوا: إِن عيسى ابن الله، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.

وفي المراد باللهو ثلاثة أقوال.

أحدها: الولد، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال السدي. قال الزجاج: المعنى: لو أردنا أن نتخذ ولداً ذا لهوٍ نُلْهَى به.

والثاني: المرأة، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة.

والثالث: اللعب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

قوله تعالى: { لاتَّخذناه من لَدُنَّا } قال ابن جريج: لاتَّخذنا نساءً أو ولداً من أهل السماء، لا من أهل الأرض. قال ابن قتيبة: وأصل اللهو: الجماع، فكُنِّي عنه باللهو، كما كُنِّيَ عنه بالسِّرِّ، والمعنى: لو فعلنا ذلك لاتَّخذناه من عندنا، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده، لا عند غيره.

وفي قوله { إِنْ كنا فاعلين } قولان.

أحدهما: أن «إِنْ» بمعنى «ما»، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.

والثاني: أنها بمعنى الشرط. قال الزجاج: والمعنى: إِن كنا نفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله؛ قال: والقول الأول قول المفسرين، والثاني: قول النحويين، وهم يستجيدون القول الأول أيضاً، لأن «إِنْ» تكون في موضع النفي، إِلا أنَّ أكثر ما تأتي مع اللام، تقول: إِن كنت لَصالحاً، معناه: ما كنت إِلاَّ صالحاً.

قوله تعالى: { بل } أي: دع ذاك الذي قالوا، فإنه باطل { نقذف بالحق } أي: نسلّط الحق وهو القرآن { على الباطل } وهو كذبهم { فَيَدْمَغُهُ } قال ابن قتيبة: أي: يكسره، وأصل هذا إِصابة الدماغ بالضرب، وهو مقتل { فإذا هو زاهق } أي: زائل ذاهب. قال المفسرون: والمعنى: إِنا نبطل كذبهم بما نبيِّن من الحق حتى يضمحلَّ، { ولكم الويل مما تَصِفُون } أي: من وصفكم الله بما لا يجوز { وله من في السموات والأرض } يعني: هم عبيده ومُلْكه { ومَنْ عنده } يعني: الملائكة.

وفي قوله: { ولا يَسْتَحْسِرُون } ثلاثة أقوال.

أحدها: لا يرجعون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: لا ينقطعون، قاله مجاهد. وقال ابن قتيبة: لا يعيَون، والحَسِر: المنقطع الواقف إِعياءً وكلالاً.

والثالث: لا يملُّون، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { لا يَفْتُرون } قال قتادة: لا يسأَمون. وسئل كعب: أما يَشْغَلُهم شأن؟ أما تَشْغَلُهم حاجة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي، جُعل لهم التسبيحُ كما جُعل لكم النَّفَسُ، ألستَ تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفس؟! فكذلك جُعل لهم التسبيح. ثم إِن الله تعالى عاد إِلى توبيخ المشركين فقال: { أم اتَّخَذوا آلهة من الأرض } لأن أصنامهم من الأرض هي، سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة { هُمْ } يعني: الآلهة { يُنْشِرون } أي: يُحْيُون الموتى. وقرأ الحسن: «يَنشُرون» بفتح الياء وضم الشين. وهذا استفهام بمعنى الجحد، والمعنى: ما اتخذوا آلهة تَنْشُر ميتاً. { لو كان فيهما } يعني: السماء والأرض { آلهةٌ } يعني: معبودين { إِلا الله } قال الفراء: سوى الله. وقال الزجاج: غير الله.

قوله تعالى: { لفَسَدَتَا } أي: لخربتا وبطلتا وهلكَ من فيهما، لوجود التمانع بين الآلهة، فلا يجري أمر العالَم على النظام، لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعداً لم يَسْلَم من الخلاف.

قوله تعالى: { لا يُسأَل عمَّا يَفْعَل } أي: عمَّا يَحْكُم في عباده من هدي وإِضلال، وإِعزاز وإِذلال، لأنه المالك للخلق، والخلق يُسأَلون عن أعمالهم؛ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، ولمَّا أبطل عز وجل أن يكون إِله سواه من حيث العقل بقوله: { لفسدتا }، أبطل ذلك من حيث الأمر فقال: { أم اتَّخَذوا من دونه آلهة } وهذا استفهام إِنكار وتوبيخ { قل هاتوا برهانكم } على ما تقولون، { هذا ذِكْر مَنْ معي } يعني: القرآن خبر مَن معي على ديني ممن يتبعني إِلى يوم القيامة بمالهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية { وذِكْر مَنْ قبلي } يعني: الكتب المنزلة، والمعنى: هذا القرآن، وهذه الكتب التي أُنزلت قبله، فانظروا هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إِله سواه؟ فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به. قال الزجاج: قيل لهم: هاتوا برهانكم بأن رسولاً من الرسل أخبر أُمَّته بأن لهم إلهاً غير الله!.

قوله تعالى: { بل أكثرهم } يعني: كفار مكة { لا يعلمون الحقَّ } وفيه قولان.

أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس.

والثاني: التوحيد، قاله مقاتل. { فهم مُعْرِضُون } عن التفكُّر والتأمُّل وما يجب عليهم من الإِيمان.