خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ
١
مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
٢
لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
٣
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٤
بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ
٥
مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
٦
وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ
٨
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ
٩
لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٠
-الأنبياء

زاد المسير في علم التفسير

وهي مكية باجماعهم من غير خلاف نعلمه.

قوله عز وجل: { اقترب } افتعل، من القُرْب، يقال: قَرُبَ الشيء واقترب. وهذه الآية نزلت في كفار مكة. وقال الزجاج: اقترب للناس وقت حسابهم. وقيل: اللام في قوله: { للناس } بمعنى: «مِنْ». والمراد بالحساب: محاسبة الله لهم على أعمالهم.

وفي معنى قُرْبِهِ قولان.

أحدهما: أنه آتٍ، وكلُّ آتٍ قريبٌ.

والثاني: لأن الزمان ـ لِكثرة ما مضى وقِلَّة ما بقي ـ قريبٌ.

قوله تعالى: { وهُمْ في غفلة } أي: عمَّا يفعل الله بهم ذلك اليوم { معرضون } عن التأهُّب له. وقيل: «اقترب للناس» عامٌّ، والغفلة والإِعراض خاص في الكفار، بدلالة قوله تعالى: { ما يأتيهم من ذِكْرٍ من ربهم مُحْدَثٍ }، وفي هذا الذِّكْر ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه القرآن، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا تكون الإِشارة بقوله: «مُحْدَثٍ» إِلى إِنزاله له، لأنه أُنْزِل شيئاً بعد شيء.

والثاني: أنه ذِكْر من الأذكار، وليس بالقرآن، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذِكْر من رسول الله، وليس بالقرآن.

والثالث: أنه رسول الله، بدليل قوله في سياق الآية: { هل هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكم }، قاله الحسن ابن الفضل.

قوله تعالى: { إِلا استَمَعُوه وهم يلعبون } قال ابن عباس: يستمعون القرآن مستهزئين.

قوله تعالى: { لاهيةً قلوبُهم } أي: غافلةً عما يُراد بهم. قال الزجاج: المعنى: إِلا استمعوه لاعبين لاهيةً قلوبهم؛ ويجوز أن يكون منصوباً بقوله: «يلعبون». وقرأ عكرمة، وسعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: «لاهيةٌ» بالرفع.

قوله تعالى: { وأسرُّوا النَّجوى } أي: تناجَوا فيما بينهم، يعني المشركين. ثم بيَّن مَنْ هم فقال: { الذين ظَلَمُوا } أي: أَشْرَكوا بالله. و«الذين» في موضع رفع على البدل من الضمير في «وأَسَرُّوا». ثم بيَّن سِرَّهم الذي تناجَوْا به فقال: { هل هذا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكم } أي: آدميٌّ، فليس بملك؛ وهذا إِنكار لنبوَّته. وبعضهم يقول: «أسرُّوا» هاهنا بمعنى: أظهروا، لأنه من الأضداد.

قوله تعالى: { أفتأتون السِّحر } أي: أفتقبلون السِّحر { وأنتم تعلمون } أنه سِحْر؟! يعنون أن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم متابعةُ السِّحر. { قُل ربِّي } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «قل ربي». وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «قال ربِّي»، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين، وهذا على الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يعلم القول، أي: لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض، فهو عالم بما أسررتم. { بل قالوا } قال الفراء: رَدَّ بـ «بل» على معنى تكذيبهم، وإِن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه الإِخبار عن الجاحدين، وأعلمَ أن المشركين كانوا قد تحيَّروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفت أقوالهم فيه، فبعضهم يقول: هذا الذي يأتي به سِحْر، وبعضهم يقول: أضغاث أحلام، وهي الأشياء المختلطة تُرى في المنام؛ وقد شرحناها في [يوسف: 44]، وبعضهم يقول: افتراه، أي: اختلقه، وبعضهم يقول: هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا، فاقترحوا الآيات التي لا إِمهال بعدها.

قوله تعالى: { ما آمنتْ قبلَهم } يعني: مشركي مكة { مِنْ قرية } وصف القرية، والمراد أهلها، والمعنى: أن الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات، لم يؤمنوا بالآيات لمَّا أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟! وهذه إِشارة إِلى أن الآية لا تكون سبباً للإِيمان، إِلا أن يشاء الله.

قوله تعالى: { وما أرسلنا قبلك إِلا رجالاً } هذا جواب قولهم: «هل هذا إِلاّ بَشَر مِثْلُكم».

قوله تعالى: { نُوحي إِليهم } قرأ الأكثرون: «يوحَى» بالياء. وروى حفص عن عاصم: «نُوحي» بالنون. وقد شرحنا هذه الآية في [النحل: 43].

قوله تعالى: { وما جعلناهم } يعني الرسل { جَسَداً } قال الفراء: لم يقل: أجساداً، لأنه اسم الجنس. قال مجاهد: وما جعلناهم جسداً ليس فيهم روح. قال ابن قتيبة: ما جعلنا الانبياء قبله أجساداً لا تأكل الطعام لا تموت فنجعله كذلك. قال المبرد وثعلب جميعاً: العرب إِذا جاءت بين الكلام بجحدين، كان الكلام إِخباراً، فمعنى الآية: إِنما جعلناهم جسداً ليأكلوا الطعام. قال قتادة: المعنى: وما جعلناهم جسداً إِلا ليأكلوا الطعام.

قوله تعالى: { ثم صَدَقْناهم الوعدَ } يعني: الأنبياء أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك مكذِّبيهم { فأنجيناهم ومَنْ نشاء } وهم الذين صدَّقوهم { وأهلكنا المُسْرِفين } يعني: أهل الشِّرك؛ وهذا تخويف لأهل مكة. ثم ذكر منَّته عليهم بالقرآن فقال: { لقد أنزلنا إِليكم كتاباً فيه ذِكْرُكم }، وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: فيه شرفكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: فيه دِينكم، قاله الحسن، يعني: فيه ما تحتاجون إِليه من أمر دينكم.

والثالث: فيه تذكرة لكم لِمَا تلقَونه من رَجعة أو عذاب، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { أفلا تعقلون } ما فضَّلْتُكم به على غيركم.