خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ
٥١
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ
٥٢
قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ
٥٣
قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٥٤
قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ
٥٥
قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ
٥٦
وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ
٥٧
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ
٥٨
-الأنبياء

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ولقد آتينا إِبراهيم رُشْدَهُ } أي: هُداه { مِنْ قَبْلُ } وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: من قبل بلوغه، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: آتيناه ذلك في العِلْم السابق، قاله الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: مِنْ قَبْل موسى وهارون، قاله الضحاك. وقد أشرنا إِلى قصة إِبراهيم في [الأنعام: 75].

قوله تعالى: { وكُنَّا به عالِمين } أي: علمنا أنه موضع لإِيتاء الرُّشد. ثم بيَّن متى آتاه فقال: { إِذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل } يعني: الأصنام. والتمثال: اسم للشيء المصنوع مشبَّهاً بِخَلْق من خَلْق الله تعالى، وأصله من مثَّلث الشيء بالشيء: إِذا شبَّهته به. وقوله: { التي أنتم لها } أي: على عبادتها { عاكفون } أي: مقيمون، فأجابوه أنهم رأوا آباءهم يعبدونها فاقتدَوا بهم، فأجابهم بأنهم فيما فعلوا وآباءَهم في ضلال مبين، { قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } يعنون: أجادٌّ أنتَ، أم لاعب؟!

قوله تعالى: { لأكيدنَّ أصنامكم } الكيد: احتيال الكائد في ضرّ المكيد. والمفسرون يقولون: لأكيدنها بالكسر { بعد أن تُوَلُّوا } أي: تذهبوا عنها، وكان لهم عيد في كل سنة يخرجون إِليه ولا يخلِّفون بالمدينة أحداً، فقالوا لإِبراهيم: لو خرجتَ معنا إِلى عيدنا أعجبكَ دِيننا، فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق، قال: إِني سقيم، وألقى نفسه، وقال سِرّاً منهم: «وتالله لأكيدنَّ أصنامكم»، فسمعه رجل منهم، فأفشاه عليه، فرجع إِلى بيت الأصنام، وكانت ـ فيما ذكره مقاتل بن سليمان ـ اثنين وسبعين صنماً من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب، فكسرها، ثم وضع الفأس في عنق الصنم الكبير، فذلك قوله: { فجعلهم جُذاذاً } قرأ الأكثرون: «جُذاذاً» بضم الجيم. وقرأ أبو بكر الصدّيق، وابن مسعود، وأبو رزين، وقتادة، وابن محيصن، والأعمش، والكسائي: «جِذاذاً» بكسر الجيم. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وأيوب السختياني، وعاصم الجحدري: «جَذاذاً» بفتح الجيم. وقرأ الضحاك، وابن يعمر: «جَذذاً» بفتح الجيم من غير ألف. وقرأ معاذ القارىء، وأبو حيوة، وابن وثَّاب: «جُذذاً» بضم الجيم من غير ألف. قال أبو عبيدة: أي: مستأصَلين، قال جرير:

بَني المهلَّب جَذَّ اللهُ دَابِرَهُم أَمْسَوْا رَمَاداً فلا أصلٌ ولا طَرَفُ

أي: لم يَبْقَ منهم شيء، ولفظ «جُذاذ» يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكَّر والمؤنَّث. وقال ابن قتيبة: «جُذاذاً» أي: فُتاتاً، وكلُّ شيء كسرتَه فقد جَذَذْتَه، ومنه قيل للسَّويق: الجذيذ. وقرأ الكسائي: «جِذاذاً» بكسر الجيم على أنه جمع جَذيذ، مثل ثَقيل وثِقال، وخَفيف وخِفاف. والجذيذ بمعنى: المجذوذ، وهو المكسور. { إِلا كبيراً لهم } أي: كسر الأصنامَ إِلا أكبرها. قال الزجاج: جائز أن يكون أكبرها في ذاته، وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إِياه، { لعلَّهم إِليه يَرْجِعون }، في هاء الكناية قولان.

أحدهما: أنها ترجع إِلى الصنم. ثم فيه قولان.

أحدهما: لعلهم يرجعون إِليه فيشاهدونه، هذا قول مقاتل.

والثاني: لعلهم يرجعون إِليه بالتهمة، حكاه أبو سليمان الدمشقي.

والثاني: أنها ترجع إِلى إِبراهيم. والمعنى: لعلهم يرجعون إِلى دين إِبراهيم بوجوب الحُجَّة عليهم، قاله الزجاج.