قوله تعالى: {ألم تكن} المعنى: ويقال لهم: ألم تكن {آياتي تُتْلى عليكم} يعني: القرآن. {قالوا ربَّنا غلبت علينا شِقوتُنا} قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «شِقوتُنا» بكسر الشين من غير ألف، وقرأ عمرو بن العاص، وأبو رزين العقيلي، وأبو رجاء العطاردي كذلك، إِلا أنه بفتح الشين. و قرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، والأعمش، وحمزة، والكسائي: «شَقَاوتُنا» بألف مع فتح الشين والقاف؛ وعن الحسن، وقتادة كذلك، إِلا أن الشين مكسورة. قال المفسرون: أقرَّ القوم بأنَّ ما كُتب عليهم من الشقاء منعهم الهدى.
قوله تعالى: {ربَّنا أخرجنا منها} أي: من النار. قال ابن عباس: طلبوا الرجوع إِلى الدنيا {فإن عُدنا} أي: إِلى الكفر والمعاصي.
قوله تعالى: {اخْسَؤوا} قال الزجاج: تباعدوا تباعد سخط، يقال: خَسَأْتُ الكلب أَخْسَؤه: إِذا زجرتَه ليتباعد.
قوله تعالى: {ولا تكلِّمون} أي: في رفع العذاب عنكم. قال عبد الله بن عمرو: إِن أهل جهنم يدعون مالكاً أربعين عاماً، فلا يجيبهم، ثم يقول:
{ إِنكم ماكثون } [الزخرف: 77]، ثم ينادون ربَّهم {ربَّنا أخرجنا منها} فيَدَعهم مثل عُمُر الدنيا، ثم يقول: {إِنكم ماكثون} ثم ينادون ربَّهم {ربَّنا أخرجنا منها} فيَدَعهم مثل عمر الدنيا، ثم يردُّ عليهم {اخسؤوا فيها ولا تكلِّمون} فما ينبس القومُ بعد ذلك بكلمة إِن كان، إِلا الزفير والشهيق. ثم بيَّن الذي لأجله أخسأهم بقوله: {إِنَّه} وقرأ ابن مسعود. وأبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: «أنَّه» بفتح الهمزة {كان فريق من عبادي} قال ابن عباس: يريد المهاجرين. قوله تعالى: {فاتَّخَذْتُموهم} قال الزجاج: الأجود إِدغام الذال في التاء لقرب المخرجين، وإِن شئتَ أظهرتَ، لأن الذال من كلمة والتاء من كلمة، وبين الذال والتاء في المخرج شيء من التباعد. قوله تعالى: {سخريّاً} قرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وأبو حاتم عن يعقوب: «سُخريّاً» بضم السين هاهنا وفي [ص: 63]، تابعهم المفضل في [ص: 32]. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: بكسر السين في السورتين. ولم يختلف في ضم السين في الحرف الذي في [الزخرف: 32]. واختار الفراء الضم، والزجاج الكسر. وهل هما بمعنىً؟ فيه قولان.
أحدهما: أنهما لغتان ومعناهما واحد، قاله الخليل، وسيبويه، ومثله قول العرب، بحر لُجِّيٌّ ولِجِيٌّ، وكوكبٌ دُرِيٌّ ودِرِّيٌّ.
والثاني: أن الكسر بمعنى الهمز، والضم بمعنى: السُّخرة والاستعباد، قاله أبو عبيدة، وحكاه الفراء، وهو مروي عن الحسن، وقتادة.
قال أبو علي: قراءة من كسر أرجح من قراءة من ضمّ، لأنه من الهزء، والأكثر في الهزء كسر السين. قال مقاتل: كان رؤوس كفار قريش كأبي جهل وعقبة [والوليد] قد اتخذوا فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعمَّار وبلال وخبَّاب وصهيب سِخْرِيّاً يستهزئون بهم ويضحكون منهم. قوله تعالى: {حتى أَنْسَوكم ذِكْري} أي: أنساكم الاشتغال بالاستهزاء بهم ذِكْري، فنسب الفعل إِلى المؤمنين وإِن لم يفعلوه، لأنهم كانوا السبب في وجوده، كقوله:
{ إِنهنَّ أَضْلَلْنَ كثيراً من النّاس } [إبراهيم: 36]. قوله تعالى: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليومَ بما صبروا} أي: على أذاكم واستهزائكم {أنَّهم} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: «أنَّهم»، بفتح الألف. وقرأ حمزة، والكسائي: «إِنَّهم» بكسرها. فمن فتح «أنَّهم»، فالمعنى: جزيتُهم بصبرهم الفوزَ، ومن كسر «إِنهم»، استأنف.