خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٦٢
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ
٦٣
حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ
٦٤
لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ
٦٥
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ
٦٦
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ
٦٧
-المؤمنون

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ولدينا كتاب } يعني: اللوح المحفوظ { يَنْطِقُ بالحقِّ } قد أُثبت فيه أعمال الخلق، فهو ينطق بما يعملون { وهم لا يُظْلَمون } أي: لا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم. ثم عاد إِلى الكفار، فقال: { بل قلوبهم في غمرة من هذا } قال مقاتل: في غفلة عن الإِيمان بالقرآن. وقال ابن جرير: في عمىً عن هذا القرآن. قال الزجاج: يجوز أن يكون إِشارة إِلى ما وصف من أعمال البِرِّ في قوله: { أولئك يسارعون في الخيرات }، فيكون المعنى: بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا؛ ويجوز أن يكون إِشارة إِلى الكتاب، فيكون المعنى: بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحقّ وأعماُلهم مُحْصَاةٌ فيه.

فخرج في المشار إِليه بـ { هذا } ثلاثة أقوال.

أحدها: القرآن.

والثاني: أعمال البِرِّ.

والثالث: اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: { ولهم أعمالٌ مِنْ دون ذلك } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أعمال سيِّئة دون الشِّرك، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: خطايا من دون ذلك الحق، قاله مجاهد. وقال ابن جرير: من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية.

والثالث: أعمالٌ غير الأعمال التي ذُكِروا بها سيعملونها، قاله الزجاج.

والرابع: أعمال - من قبل الحين الذي قدَّر الله تعالى أنه يعذِّبهم عند مجيئه - من المعاصي، قاله أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: { هم لها عاملون } إِخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كُتبت عليهم لا بدَّ لهم من عملها.

قوله تعالى: { حتى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفيهم } أي: أغنياءهم ورؤساءهم، والإِشارة إِلى قريش. وفي المراد «بالعذاب» قولان.

أحدهما: ضرب السيوف يوم بدر، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.

والثاني: الجوع الذي عُذِّبوا به سبع سنين، قاله ابن السائب. و{ يَجأرون } بمعنى: يصيحون. { لا تَجأروا اليوم } أي: لا تستغيثوا من العذاب { إِنَّكم مِنَّا لا تُنْصَرون } أي: لا تُمْنَعون من عذابنا. { قد كانت آياتي تُتْلَى عليكم } يعني: القرآن { فكنتم على أعقابكم تَنْكِصُونَ } أي: ترجعون وتتأخَّرون عن الإِيمان بها. { مستكبِرين } منصوب على الحال. وقوله: { به } الكناية عن البيت الحرام، وهي كناية عن غير مذكور؛ والمعنى: إِنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم، لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم. تقولون: نحن أهل الحرم فلا نخاف أحداً. ونحن أهل بيت الله وَوُلاتُه، هذا مذهب ابن عباس وغيره. قال الزجاج: ويجوز أن تكون الهاء في «به» للكتاب، فيكون المعنى: تُحدث لكم تلاوتُه عليكم استكباراً.

قوله تعالى: { سامراً } قال أبو عبيدة: معناه: تَهْجُرون سُمَّاراً، والسامر بمعنى السُّمَّار، بمنزلة طفل في موضع أطفال، وهو من سَمَر الليل. وقال ابن قتيبة: «سامراً» أي: متحدِّثين ليلاً، والسَّمَر: حديث الليل. وقرأ أُبيّ بن كعب، وأبو العالية، وابن محيصن: «سُمَّراً» بضم السين وتشديد الميم وفتحها، جمع سامر. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري: «سُمَّاراً» برفع السين تشديد الميم وألف بعدها.

قوله تعالى: { تهجرون } قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «تَهجُرون» بفتح التاء وضم الجيم. وفي معناها أربعة أقوال.

أحدها: تهجرون ذِكْرَ الله والحقَّ، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: تهجرون كتاب الله تعالى ونبيَّه صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن.

والثالث: تهجرون البيت، قاله أبو صالح. وقال سعيد بن جبير: كانت قريش تَسْمُر حول البيت، وتفتخر به ولا تطوف به.

والرابع: تقولون هُجْراً من القول، وهو اللغو والهَذَيان، قاله ابن قتيبة. قال الفراء: يقال: قد هَجَر الرجل في منامه: إِذا هذى، والمعنى: إِنكم تقولون في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه ومالا يَضُرُّه.

وقرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن محيصن، ونافع: «تُهْجِرُون» بضم التاء وكسر الجيم. قال ابن قتيبة: وهذا من الهُجْر، وهو السَّبُّ والإِفحاش من المنطق، يريد سبَّهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتَّبعه. وقرأ أبو العالية، وعكرمة، وعاصم الجحدري، وأبو نهيك: «تُهَجِّرُون» بتشديد الجيم ورفع التاء؛ قال ابن الأنباري: ومعناها معنى قراءة ابن عباس.