قوله تعالى: { وأُزْلِفَت الجَنَّة للمُتَّقِينَ } أي: قًُرِّبَتْ إِليهم حتى نظروا إِليها، { وبُرِّزَت الجَحِيمُ } أي: أُظهرتْ { للغاوين } وهم الضالُّون، { وقيل لهم } على وجه التوبيخ { أين ما كنتم تعبُدون من دون الله هل ينصُرونكم } أي: يمنعونكم من العذاب، أو يمتنعون منه.
قوله تعالى: { فكُبْكِبوا } قال السّدي: هم المشركون. قال ابن قتيبة: أُلْقُوا على رؤوسهم، وأصل الحرف «كُبِّبوا» من قولك: كَبَبْتُ الإِناء، فأبدَلَ من الباء الوسطى كافاً، استثقالاً لاجتماع ثلاث باءات، كما قالوا: «كُمْكِمُوا» من «الكُمَّة»، والأصل: «كُمّمُوا». وقال الزجاج: معناه: طُرح بعضُهم على بعض؛ وحقيقة ذلك في اللغة تكرير الانكباب، كأنه إِذا أُلقي يَنْكَبُّ مَرَّةً بعد مَرَّة حتى يَسْتَقِرَّ فيها.
وفي الغاوين ثلاثة اقوال.
أحدها: المشركون، قاله ابن عباس.
والثاني: الشياطين، قاله قتادة، ومقاتل.
والثالث: الآلهة، قاله السدي. { وجنود إِبليسَ } أتباعه من الجنّ والإِنس. { قالوا وهم فيها يَخْتَصِمُونَ } يعني: هم وآلهتهم، { تالله إِنْ كَنَّا } قال الفراء: لقد كُنَّا. وقال الزجاج: ما كُنَّا إِلا في ضلال.
قوله تعالى: { إِذ نُسَوِّيكم } أي: نعدلِكُم بالله في العبادة، { وما أضلَّنا إِلا المُجْرِمُون } فيهم قولان.
أحدهما: الشياطين.
والثاني: أولَّوهم الذين اقتَدَوا بهم، قال عكرمة: إِبليسُ وابنُ آدم القاتل.
قوله تعالى: { فما لنا من شافِعِين } هذا قولهم إِذا شفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون. وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِن الرجل يقول في الجنة: ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم، فيقول الله عز وجل: أخرجوا له صديقه إِلى الجنة، فيقول من بقي [في النار]: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم" ؟. والحميم: القريب الذي تَوَدُّه ويَوَدُّك والمعنى: مالنا من ذي قرابة يُهِمُّه أمرنا، { فلو أنَّ لنا كَرَّةً } أي: رجعة إِلى الدنيا { فنكونَ مِنَ المؤمِنِين }. لتَحِلَّ لنا الشفاعة كما حَلَّت للموحِّدين.