قوله تعالى: {إِنَّه أنا اللّهُ} الهاء عماد في قول أهل اللغة؛ وعلى قول السدي: هي كناية عن المنادي، لأن موسى قال: مَن هذا الذي يناديني؟ فقيل: {إِنَّه أنا الله}.
قوله تعالى: {وأَلْقِ عصاكَ} في الآية محذوف، تقديره: فألقاها فصارت حيَّة، {فلمَّا رآها تهتزُّ كأنَّها جانٌّ} قال الفراء: الجانّ: الحيَّة التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة.
قوله تعالى: {ولَمْ يُعَقِّبْ} فيه قولان.
أحدهما: لم يلتفت، قاله قتادة.
والثاني: لم يرجع، قاله ابن قتيبة، والزجاج. قال ابن قتيبة: وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العَقْبِ.
قوله تعالى: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ} أي: لا يخافون عندي. وقيل: المراد: في الموضع الذي يوحى إِليهم فيه، فكأنه نبَّهه على أن من آمنه الله بالنبوَّة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حيَّة.
وفي قوله: {إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه استثناء صحيح، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل؛ والمعنى: إِلا من ظَلَمَ منهم فانه يخاف. قال ابن قتيبة: علم الله تعالى أن موسى مُسْتَشْعِرٌ خِيفةً من ذَنْبه في الرَّجل الذي وَكزَه، فقال {إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً} أي: توبة وندماً، فانه يخاف، وإِني غفور رحيم.
والثاني: أنه استثناء منقطع؛ والمعنى: لكن من ظلَمَ فانه يخاف، قاله ابن السائب، والزجاج. وقال الفراء: «مَنْ» مستثناة من الذين تُركوا في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسَلون، إِنما الخوف على غيرهم، إِلا من ظَلَمَ، فتكون «مَنْ» مستثناة. وقال ابن جرير: في الآية محذوف، تقديره: إِلا من ظَلَمَ، فمن ظَلَمَ ثم بدَّل حُسْناً.
والثالث: أن «إِلاّ» بمعنى الواو، فهو كقوله
{ لِئَلاَّ يكونَ للناس عليكم حُجَّةٌ إِلاَّ الذين ظَلَموا مِنْهُمْ } [البقرة150]، حكاه الفراء عن بعض النحويين، ولم يرضه. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: {أَلا مَنْ ظَلَمَ} بفتح الهمزة وتخفيف اللام.
وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان.
أحدهما: المعاصي.
والثاني: الشِّرك. ومعنى {حُسْناً}: توبة وندماً.
وقرأ ابن مسعود، والضَّحَّاك، وأبو رجاء، والأعمش، وابن السميفع، وعبد الوارث عن أبي عمرو: {حَسَناً} بفتح الحاء والسين. {بَعْدَ سُوءٍ} أي: بعد إِساءة. وقيل: الإِشارة بهذا إِلى أن موسى وإِن كان [قد] ظلم نفسه بقتل القبطي، فان الله يغفِر له، لأنه ندم على ذلك وتاب. قوله تعالى: {وأَدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ} الجَيْب حيث جِيبَ من القميص، أي: قُطِع. قال ابن جرير: إِنَّما أًُمر بادخاله يده في جيبه، لأنه كان عليه حينئذ مِدْرَعة من صوف ليس لها كُمّ. والسُّوء: البَرَص.
قوله تعالى: {في تِسْعِ آيات} قال الزجاج: «في» مِنْ صلة قوله {وأَلْقِ عصاك} {وأدخل يدك}، فالتأويل: أظْهِر هاتين الآيتين في تسع آيات. و «في» بمعنى «مِنْ»، فتأويله: مِنْ تسع آيات؛ تقول: خذ لي عشراً من الإِبل فيها فحلان، أي: منها فحلان، وقد شرحنا الآيات في [بني إِسرائيل:101].
قوله تعالى: {إِلى فرعون وقومه} أي: مٌرْسَلاً إِلى فرعون وقَومِه، فحذف ذلك لأنه معروف، {فلما جاءتهم آياتُنا مُبْصِرَةً} أي: بيِّنة واضحة، وهو كقوله
{ وآتَينا ثمودَ الناقةَ مُبْصِرَةً } [الاسراء:59] وقد شرحناه. قوله تعالى: {قالوا هذا} أي: هذا الذي نراه عِياناً {سِحْرٌ مُبِين} {وجَحَدوا بها} أي: أنكرها {واستَيْقَنَتْها أنْفُسُهم} أنّها مِنْ عند الله، {ظُلْماً} أي: شِركاً {وعُلُوّاً} أي: تكبراً. قال الزجاج: المعنى: وجحدوا بها ظُلماً وعُلُوّاً، أي: ترفُّعاً عن أن يؤمِنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله.