قوله تعالى: { لتبلون في أموالكم وأنفسِكم } في سبب نزولها خمسة أقوال.
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم، مرَّ بمجلس فيه عبد الله بن أُبيّ، وعبد الله بن رواحة، فغشي المجلس عجاجة الدابة، فخمر ابن أُبيّ أنفه بردائه، وقال: لا تغبِّروا علينا، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال ابن أُبي: إنه لا أحْسَنَ مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذنا في مجالسنا. وقال ابن رواحة: اغشنا به في مجالسنا يا رسول الله، فإنَّا نحب ذلك، فاستبَّ المسلمون، والمشركون، واليهود، فنزلت هذه الآية، رواه عروة عن أسامة بن زيد.
والثاني: أن المشركين واليهود كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، فنزلت هذه الآية، قاله كعب ابن مالك الأنصاري.
والثالث: أنها نزلت فيما جرى بين أبي بكر الصديق، وبين فنحاص اليهودي، وقد سبق ذكره عن ابن عباس.
والرابع: أنها نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، قاله أبو صالح عن ابن عباس. واختاره مقاتل، وقال عكرمة: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، وفنحاص اليهودي.
والخامس: أنها نزلت في كعب بن الأشرف، كان يحرِّض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره، وهذا مذهب الزهري.
قال الزجاج: ومعنى «لتبلون»: لتختبرُنَّ، أي: توقع عليكم المحن، فيعلم المؤمن حقاً من غيره. و «النون» دخلت مؤكدة مع لام القسم، وضمت الواو لسكونها، وسكون النون. وفي البلوى في الأموال قولان.
أحدهما: ذهابها ونقصانها. والثاني: ما فرض فيها من الحقوق.
وفي البلوى في الأنفس أربعة أقوال.
أحدها: المصائب، والقتل. والثاني: ما فرض من العبادات.
والثالث: الأمراض. والرابع: المصيببة بالأقارب، والعشائر.
وقال عطاء: هم المهاجرون أخذ المشركون أموالهم، وباعوا رباعهم، وعذبوهم.
قوله تعالى: { ولتسمعن من الذين أُوتوا الكتاب } قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى، والذين أشركوا: مشركو العرب { وإِن تصبروا } على الأذى { وتتقوا } الله بمجانبة معاصيه.
قوله تعالى: { فإن ذلك من عزم الأمور } أي: ما يعزم عليه، لظهور رشده.
فصل
والجمهور على إحكام هذه الآية، وقد ذهب قوم إلى أن الصبر المذكور منسوخ بآية السيف.