قوله تعالى: { قل مَنْ يرزُقُكم مِنَ السموات } يعني المطر { والأرضِ } يعني النبات والثمر. وإِنما أُمر أن يسأل الكفار عن هذا، احتجاجاً عليهم بأن الذي يرزُق هو المستحِقُّ للعبادة، وهم لا يُثبتون رازقاً سواه، ولهذا قيل له: { قُلِ اللّهُ } لأنهم لا يُجيبون بغير هذا؛ وهاهنا تم الكلام. ثم أمره أن يقول لهم: { وإِنَّا أو إِيَّاكم لَعَلَى هُدىً أو في ضلال مُبينٍ } مذهب المفسرين أن «أو» هاهنا بمعنى الواو. وقال أبو عبيدة: معنى الكلام: وإِنَّا لَعَلَى هُدى، وإِنَّكم لفي ضلالُ مبين. وقال الفراء: معنى: «أو» عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربيَّة على غير ذلك، لا تكون «أو» بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوَّض، كما تقول: إِن شئت فَخُذ درهماً أو اثنين، فله أن يأخذ واحداً أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة؛ وإِنما معنى الآية: وإِنّا لضالُّون أو مهتدون، وإِنكم أيضاً لضالُّون أو مهتدون، وهو يَعْلَمُ أن رسوله المهتدي، وأن غيره الضالُّ، كما تقول للرجل تكذِّبه: واللّهِ إِنَّ أحدنا لكاذب - وأنت تعنيه - فكذَّبْتَه تكذيباً غير مكشوف؛ ويقول الرجل: والله لقد قَدِم فلان، فيقول له من يَعْلَم كذبه: قل: إِن شاء الله، فيكذِّبه بأحسنَ من تصريح التكذيب؛ ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها، فيقول: قاتَعَه الله، ويقول بعضهم: كاتعه الله؛ ويقولون: جوعاً، دعاءً على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولون: جوداً، وبعضهم يقول: جوساً؛ ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإِنما هي في معنى { ويلك } إِلا أنها دونها.
قوله تعالى: { قل لا تُسألون عمَّا أَجرمنا } أي: لا تؤاخَذون به { ولا نُسألُ عمَّا تَعلمون } من الكفر والتكذيب؛ والمعنى: إِظهار التبرِّي منهم. وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك.
قوله تعالى: { قُلْ يَجْمَعُ بيننا ربُّنا } يعني عند البعث في الآخرة { ثُمَّ يَفْتَحُ بيننا } أي يقضي { بالحقِّ } أي: بالعدل { وهو الفتَّاح } القاضي { العليمُ } بما يقضي { قل } للكفار { أرونيَ الذين أَلحقتم به شركاء } أي: أَعلِموني من أيِّ وجه ألحقتموهم وهم لا يخلُقون ولا يرزُقون { كَلاَّ } ردع وتنبيه؛ والمعنى: ارتدِعوا عن هذا القول، وتنبَّهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه.