قوله تعالى: { وقال الذين كَفَروا } يعني مشركي مكَّة { لن نؤمِن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه } يعنون التوراة والإِنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إِنّ صفة محمد في كتابنا، فكفر أهلُ مكَّة بكتابهم.
ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: { ولو ترى إِذ الظالمون } يعني مشركي مكة { موقوفون عند ربِّهم } في الآخرة { يَرْجِعُ بعضُهم إِلى بعض القولَ } أي: يَرُدُّ بعضُهم على بعض في الجدال واللَّوم { يقول الذين استُضعفوا } وهم الأتباع { للذين استكبروا } وهم الأشراف والقادة: { لولا أنتم لكُنَّا مؤمنين } أي: مصدِّقين بتوحيد الله؛ والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإِيمان؛ فأجابهم المتبوعون فقالوا: { أنحن صددناكم عن الهُدى } أي: منعناكم عن الإِيمان { بعد إِذ جاءكم } به الرسول؟ { بل كنتم مجرمين } بترك الإِيمان - وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سبباً للعداوة في الآخرة - فردَّ عليهم الأتباع فقالوا: { بل مَكْرُ الليلِ والنهارِ } أي: بل مكرُكم بنا في الليل والنهار. قال الفراء: وهذا ممَّا تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم، ونهاره صائم، فتضيف الفعل إِلى غير الآدميين، والمعنى لهم. وقال الأخفش: وهذا كقوله:
{ { مِنْ قريتك التي أخرجَتْكَ } [محمد:13]، قال جرير:لقد لُمْتِنا يا أُمَّ غَيْلانَ في السُّرَى ونِمْتِ وَما لَيْلُ المَطِيِّ بِنائمِ
وقرأ سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: { بل مَكَرَ } بفتح الكاف والراء { الليلُ والنهارُ } برفعهما. وقرأ ابن يعمر: { بل مَكْرُ } باسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها { الليلَ والنهارَ } بنصبهما. قوله تعالى: { إِذ تأمُروننا أن نكفُر بالله } وذلك أنهم كانوا يقولون لهم: إِنَّ دِيننا حقّ ومحمد كذّاب، { وأَسرُّوا النَّدامة } وقد سبق بيانه في [يونس:54].
قوله تعالى: { وجَعَلْنا الأغلالَ في أعناق الذين كَفَروا } إِذا دخلوا جهنم غُلَّت أيديهم إِلى أعناقهم، وقالت لهم خَزَنة جهنم: هل تُجَزون إِلا ما كنتم تعملون في الدنيا. قال أبو عبيدة: مجاز «هل» هاهنا مجاز الإِيجاب، وليس باستفهام؛ والمعنى: ما تُجزَون إِلا ما كنتم تعملون.