خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
٣٤
ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ
٣٥
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ
٣٦
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
٣٧
إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٣٨
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً
٣٩
-فاطر

زاد المسير في علم التفسير

ثم أخبر عمَّا يقولون عند دخولها، وهو قوله: { الحمدُ لله الذي أَذهب عنَّا الحَزَنَ } الحَزَن والحُزْن واحد، كالبَخَل والبُخْل.

وفي المراد بهذا الحزن خمسة أقوال.

أحدها: أنه الحزن لطول المقام في المحشر. روى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمَّا السابق، فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصِد، فيحاسَب حساباً يسيراً، وأما الظَّالم لنفسه، فانه حزين في ذلك المقام" . فهو الحزن والغم، وذلك قوله تعالى: { الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَن }.

والثاني: أنه الجوع، رواه أبو الدرداء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ولا يصح]، وبه قال شمر بن عطية. وفي لفظ عن شمر أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز، وكذلك روي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز في الدنيا.

والثالث: أنه حزن النار، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.

والرابع: حزنهم في الدنيا على ذُنوب سلفت منهم، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والخامس: حزن الموت، قاله عطية.

والآية عامَّة في هذه الأقوال وغيرها، ومن القبيح تخصيص هذا الحزن بالخبز وما يشبهه، وإِنما حزنوا على ذُنوبهم وما يوجبه الخوف.

قوله تعالى: { الذي أحلَّنا } أي: أنزلنا { دارَ المُقامة } قال الفراء: المُقامة هي الإِقامة، والمَقامة: المجلس، بالفتح لا غير، قال الشاعر:

يَوْمَانِ يَوْمُ مَقامَاتٍ وأنْدِيَةٍ وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلى الأعْدَاءِ تأْوِيبِ

قوله تعالى: { مِنْ فَضْلِه } قال الزجاج: أي: بتفضُّله، لا بأعمالنا. والنَّصَبُ: التَّعَب. واللُّغوب: الإِعياء من التَّعب. ومعنى { لُغُوب }: شيء يُلْغِب؛ أي: لا نتكلّف شيئاً نُعَنّى منه.

قوله تعالى: { لا يُقْضى عليهم فيموتوا } أي: لايهلكون فيستريحوا ممَّا هُمْ فيه، ومثله: { فوكزه موسى فقضى عليه } [القصص:51]. قوله تعالى: { كذلك نَجْزي كُلِّ كَفورٍ } وقرأ أبو عمرو: { يُجزى } بالياء { كُلُّ } برفع اللام. وقرأ الباقون: { نَجزي } بالنون «كُلَّ» بنصب اللام.

قوله تعالى: { وهم يَصْطَرِخُون فيها } وهو افتعال من الصُّراخ: والمعنى: يستغيثون، فيقولون: { ربَّنا أَخْرِجنا نعملْ صالحاً } أي: نوحِّدك ونُطيعك { غيرَ الذي كُنَّا نَعملُ } من الشِّرك والمعاصي؛ فوبَّخهم الله تعالى بقوله: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكم } قال أبو عبيدة: معناه التقرير، وليس باستفهام؛ والمعنى: أولم نعمِّركم عُمُراً يتذكرَّ فيه من تَذَكَّر؟!

وفي مقدار هذا التعمير أربعة أقوال.

أحدها: أنه سبعون سنة، قال ابن عمر: هذه الآية تعبير لأبناء السبعين.

والثاني: أربعون سنة.

والثالث: ستون سنة، رواهما مجاهد عن ابن عباس، وبالأول منهما قال الحسن، وابن السائب.

والرابع: ثماني عشرة سنة، قاله عطاء، ووهب بن منبّه، وأبو العالية، وقتادة.

قوله تعالى: { وجاءكم النَّذير } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أنه الشيب، قاله ابن عمر، وعكرمة، وسفيان بن عيينة؛ والمعنى: أَوَلَمْ نعمِّرْكم حتى شِبتم؟!.

والثاني: النبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة، وابن زيد، وابن السائب، ومقاتل.

والثالث: موت الأهل والأقارب.

والرابع. الحمّى ذكرهما الماوردي.

قوله تعالى: { فذُوقوا } يعني: العذاب { فما للظالمين من نصير } أي: من مانع يَمنع عنهم. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [المائدة:7] إِلى قوله: { خلائفَ في الأرض } وهي الأُمَّة التي خَلَفَتْ مَنْ قَبْلها ورأت فيمن تقدَّمها ما ينبغي أن تَعتبر به { فمن كَفَر فعليه كُفره } أي: جزاء كفره.