قوله تعالى: { ولقد مَنَنّا على موسى وهارون } أي: أنعمنا عليهما بالنبوّة.
وفي { الكَرْبِ العظيم } قولان:
أحدهما: استعباد فرعون وبلاؤه، وهو معنى قول قتادة.
والثاني: الغرق، قاله السدي.
قوله تعالى: { ونَصَرْناهم } فيه قولان:
أحدهما: [أنه] يرجع إلى موسى وهارون وقومهما.
والثاني: [أنه] يرجع إليهما فقط، فجُمعا، لأن العرب تذهب بالرئيس إلى الجمع، لجنوده وأتباعه، ذكرهما ابن جرير. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [الأنبياء: 48] إلى قوله: { وإنَّ إلياس لَمِن المُرْسَلِينَ } فيه قولان.
أحدهما: أنه نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه إِدريس، قاله ابن مسعود، وقتادة، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود، وأبوالعالية، وأبو عثمان النهدي: { وإِن إِدريس } مكان "إِلياس".
قوله تعالى: { إذ قال لقومه ألا تَتَّقونَ } أي: ألا تخافون الله فتوحِّدونه وتعبدونه؟! { أتَدْعونَ بَعْلاً } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه بمعنى الرَّبّ، قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبوعبيدة، وابن قتيبة. وقال الضحاك: كان ابن عباس قد أعياه هذا الحرف، فبينا هو جالس، إذ مَرَّ أعرابيّ قد ضَلَّت ناقتُه وهو يقول: من وجد ناقة أنا بعلُها؟ فتبعه الصّبيان يصيحون به: يازوج النّاقة، يازوج النّاقة، فدعاه ابن عباس فقال: ويحك، ما عنيتَ ببعلها؟ قال: أنا ربُّها. فقال ابن عباس: صدق الله { أَتَدْعون بَعْلاً }: ربّاً. وقال قتادة: هذه لغة يمانية.
والثاني: أنه اسم صنم كان لهم، قاله الضحاك، وابن زيد. وحكى ابن جرير: أنه به سُمِّيت "بعلبكّ".
والثالث: أنها امرأه كانوا يعبدونها، حكاه محمد بن إِسحاق.
قوله تعالى: { اللهَ ربَّكم } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: { اللهُ ربُّكم } بالرفع. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، ويعقوب: { الله } بالنصب.
قوله تعالى: { فكذَّبوه فإنَّهم لمُحضَرونَ } النارَ، { إلاّ عبادَ الله المُخْلَصِينَ } الذين لم يكذِّبوه، فإنهم لا يُحْضَرونَ النّار.
الإشارة إلى القصة:
ذكر أهل العلم بالتفسير والسِّيَر أنه لما كَثُرت الأحداث بعد قبض حزقيل النبيّ عليه السلام، وعُبِدت الأوثانُ، بَعَثَ اللهُ تعالى إِليهم إِلياس. قال ابن إِسحاق: وهو إلياس بن تشبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، فجعل يدعوهم فلا يسمعون منه، فدعا عليهم بحبس المطر، فجُهدوا جَهداً شديداً، واستخفى إِلياس خوفاً منهم على نفسه، ثم إنه قال لهم يوماً: إِنكم قد هَلَكْتُم جَهْداً، وهَلَكَت البهائمُ والشجر بخطاياكم، فاخرُجوا بأصنامكم وادْعُوها، فإن استجابت لكم، فالأمر كما تقولون، وإن لم تفعل، عَلِمتم أنكم على باطل فنَزَعْتُم عنه، ودعوتُ الله ففرَّج عنكم، فقالوا: أنصفتَ، فخرجوا بأصنامهم وأوثانهم، فدعَوْا فلم يُستجب لهم، فعرفوا ضلالهم، فقالوا: ادْعُ اللهَ لنا. فدعا لهم، فأرسل المطر وعاشت بلادهم، فلم يَنْزِعوا عمّا كانوا عليه، فدعا إلياس ربَّه أن يَقْبِضه إِليه ويًريحَه منهم، فقيل له: اخْرُج يومَ كذا إِلى مكان كذا، فما جاءك من شيء فاركبْه ولا تَهَبْهُ، فخرج، فأقبل فَرَسٌ من نار، فوثب عليه، فانطلق به، وكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذَّة المَطْعم والمَشْرَب، فطار في الملائكة، فكان إنسيّاً مَلَكيّاً، أرضيّاً سماويّاً.
قوله تعالى: { سلامٌ على إِلياسينَ } قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: { إِلياسينَ } موصولة مكسورة الألف ساكنة اللام، فجعلوها كلمة واحدة؛ وقرأ الحسن مثلهم، إلاّ أنه فتح الهمزة. وقرأ نافع، وابن عامر، وعبد الوارث، ويعقوب إلاّ زيداً: { إِلْ ياسينَ } مقطوعة، فجعلوها كلمتين.
وفي قراءة الوصل قولان:
أحدهما: أنه جَمْعٌ لهذا النبيّ وأمَّته المؤمنين به، وكذلك يُجمع ما يُنْسَب إِلى الشيء بلفظ الشيء، فتقول: رأيت المهالبة، تريد: بني المهلَّب، والمسامعة، تريد بني مسمع.
والثاني: أنه اسم النبيّ وحده، وهو اسم عبرانيٌّ، والعجمي من الأسماء قد يُفْعَل به هكذا، [كما] تقول: ميكال وميكائيل، ذكر القولين الفراء والزجاج.
فأمّا قراءة من قرأ { إِلْ ياسينَ } مفصولة، ففيها قولان:
أحدهما: أنهم آل هذا النبي المذكور، وهو يدخل فيهم، كقوله عليه السلام
"اللهم صَلِّ على آل أَبي أَوفى" فهو داخل فيهم، لأنه هو المراد بالدعاء. والثاني: أنهم آل محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي. وكان عبد الله بن مسعود يقرأ: { سلامٌ على إِدْراسينَ } وقد بيَّنّا مذهبه في أن إلياس هو إدريس.
فإن قيل: كيف قال: "إدراسين"، وإنما الواحد إدريس، والمجموع إِدريسيُّ لا إِدراسٌ ولا إِدراسيّ؟
فالجواب: أنه يجوز أن يكون لغة، كإبراهيم وإبراهام، و مثله:
قَدْنِيَ مِنْ الخُبَيْبَيْنِ قَدِي
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو نهيك: { سلام على ياسين } بحذف الهمزة واللام.