قوله تعالى: { فاستفتهم } أي: سل أهل مكة سؤال توبيخ وتقرير، لأنهم زعموا أن الملائكة بنات الله { وهم شاهدون } أي: حاضرون. { ألا إِنَّهم من إِفْكهم } أي: كذبهم { لَيَقولون، ولد اللهُ } حين زعموا أن الملائكة بناته.
قوله تعالى: { أَصطفى البناتِ } قال الفراء: هذا استفهام فيه توبيخ لهم، وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ، ومثله:
{ { أذهبتم طيِّباتكم } [الأحقاف:20]، { وأَذْهبتم } يُستفهم بها ولا يُستفهم، ومعناهما واحد. وقرأ أبو هريرة، وابن المسيّب، والزهري، وابن جماز عن نافع، وأبو جعفر، وشيبة: { وإِنهم لكاذبون اصْطفى } بالوصل غير مهموز ولا ممدود؛ قال أبو علي: وهو على [وجه] الخبر، كأنه قال: اصْطفى البناتِ على البنين، كما يقولون، كقوله: { { ذُقْ إِنَّكَ أنتَ العزيزُ الكريمُ } [الدخان:49]. قوله تعالى: { مالكم كيف تحكُمون } لله بالبنات ولأنفُسكم بالبنين؟! { أم لكم سُلطانٌ مُبينٌ } أي: حُجَّة [بيِّنة] على ما تقولون، { فائتوا بكتابكم } الذي فيه حُجَّتكم.
{ وجَعَلوا بينه وبين الجِنَّة نَسَباً } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم قالوا: هو وإِبليس أخَوان، رواه العوفي عن ابن عباس؛ قال الماوردي: وهو قول الزنادقة والذين يقولون: الخير مِنَ الله، والشَّرُّ من إِبليس.
والثاني: أن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجِنَّة صِنف من الملائكة. يقال لهم: الجِنَّة، قاله مجاهد.
والثالث: أن اليهود قالت: إِن الله تعالى تزوّج إِلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة، قاله قتادة، وابن السائب.
فخرج في معنى الجِنَّة قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة.
والثاني: الجن.
فعلى الأول، يكون معنى قوله: { ولقد عَلِمَتِ الجِنَّةُ } أي: عَلِمَت الملائكةُ { إَنهم } أي: إِن هؤلاء المشركين { لَمُحْضَرُونَ } النّار.
وعلى الثاني: [{ ولقد عَلِمت الجِنَّةُ] إنهم } أي: إِن الجن أنفسها "لَمُحْضَرونَ" الحساب.
قوله تعالى: { إلاّ عِبادَ الله المُخْلصَين } يعني: الموحِّدين. وفيما استُثنوا منه قولان:
أحدهما: أنهم استُثنوا من حضور النار، قاله مقاتل.
والثاني: ممّا يصف أولئك، وهو معنى قول ابن السائب.
قوله تعالى: { فإنَّكم } يعني المشركين { وما تعبُدونَ } من دون الله، { ما أنتم عليه } أي: على ما تعبُدونَ { بِفاتنينَ } أي: بمُضِلِّينَ أحداً، { إِلاّ مَنْ هو صَالِ الجحيمِ } أي: مَنْ سبق له في عِلْم الله أنه يدخل النار.