خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٥٠
قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
٥١
يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ
٥٢
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ
٥٣
قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ
٥٤
فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ
٥٥
قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ
٥٦
وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ
٥٧
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ
٥٨
إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
٥٩
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٠
لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ
٦١
-الصافات

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { فأقَبلَ بعضُهم على بعض } يعني أهل الجنة { يتساءلون } عن أحوال كانت في الدنيا.

{ قال قائل منهم إِنِّي كان لي قَرِينٌ } فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه الصّاحب في الدنيا.

والثاني: أنه الشريك رويا عن ابن عباس.

والثالث: أنه الشيطان، قاله مجاهد.

والرابع: أنه الأخ؛ قال مقاتل: وهما الأَخوان المذكوران في سورة [الكهف: 32] في قوله: { { واضْرِب لهم مَثَلاً رَجُلَينِ } } والمعنى: كان لي صاحب أو أخ يُنْكِر البعث، { يقول أَئنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ } قال الزجاج: هي مخففة الصاد، من صدَّق يصدِّق فهو مصدِّق، ولا يجوز هاهنا تشديد الصاد. قال المفسرون: والمعنى: أئنَّك لَمِن المُصَدِّقِين بالبعث؟ وقرأ بكر بن عبد الرحمن القاضي عن حمزة { المُصَّدِقِينَ } بتشديد الصاد.

قوله تعالى: { أَئنا لَمَدِينُونَ } أي: مَجْزِيُّون بأعمالنا؛ يقال: دِنْتُهُ بما صنع، أي: جازيته، فأحَبَّ المؤمِنُ أن يَرى قرينَه الكافر، فقال لأهل الجنَّة، { هل أنتم مُطْلِعُونَ } أي: هل تحبُّون الاطِّلاع إِلى النَّار لتَعْلَمُوا أين منزلتُكم من منزلة أهلها؟ وقرأ ابن عباس، والضحاك، وأبو عمران، وابن يعمر: { هل أنتم مُطْلِعُونَ } بإسكان الطاء وتخفيفها { فأطْلِعَ } بهمزة مرفوعة وسكون الطاء. وقرأ أبو رزين، وابن أبي عبلة: { مُطلِعونِ } بكسر النون. قال ابن مسعود: اطَّلع ثم التفت إلى أصحابه فقال: لقد رأيتُ جماجم القوم تغلي؛ قال ابن عباس: وذلك أن في الجنة كُوىً ينظُر منها أهلُها إِلى النار.

قوله تعالى: { فرآه } يعني قرينة الكافر { في سَواءِ الجحيم } أي: في وسَطها. وقيل: إِنما سمي الوسَط سَواءً، لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. قال خُليد العَصْري: واللهِ لولا أنَّ الله عرَّفه إَيَّاه، ما عرفه، لقد تغيَّر حَبْرُه وسِبْرُه. فعند ذلك { قال تالله إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ } قال المفسرون: معناه: واللهِ ما كِدْتَ إلاّ تُهْلِكني؛ يقال: أرديتُ فلاناً أي: أهلكْته { ولولا نِعْمةُ ربِّي } أي: إنعامه عليَّ بالإِسلام { لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ } معك في النّار.

قوله تعالى: { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه إذا ذُبح الموت، قال أهل الجنة: { أفَمَا نحن بميِّيتنَ، إِلاّ مَوْتَتَنا الأُولى } التي كانت في الدنيا { وما نحن بمعذَّبِينَ }؟ فيقال لهم: لا؛ فعند ذلك قالوا: { إنْ هذا لَهُوَ الفَوْزُ العظيمُ }، فيقول الله تعالى { لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العامِلونَ }، قاله ابن السائب. وقيل: يقول ذلك للملائكة.

والثاني: أنه قول المؤمن لأصحابه، فقالوا له: إنك لا تموت، فقال: { إنْ هذا لَهُوَ الفَوْزُ العظيمُ }، قاله مقاتل. وقال أبو سفيان الدمشقي: إِنما خاطب المؤمنُ أهلَ الجنة بهذا على طريق الفرح بدوام النَّعيم، لا على طريق الاستفهام، لأنه قد عَلِمَ أنَّهم ليسوا بميِّتين، ولكن أعاد الكلام ليزداد بتكراره على سمعه سروراً.

والثالث: أنه قول المؤمن لقرينه الكافر على جهة التوبيخ بما كان يُنْكِره، ذكره الثعلبي.

قوله تعالى: { لِمِثل هذا } يعنى النعيم الذي ذَكَره في قوله { { أولئك لهم رزق معلوم } [الصافات: 41] { فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ }، وهذا ترغيب في طلب ثواب الله عز وجل بطاعته.