{أذَلكَ خَيْرٌ} يشير إلى ما وصف لأهل الجنة {نُزُلاً} قال ابن قتيبة: أي رزقاً. ومنه: إقامةُ الأنْزال، وأنزال الجنود: أرزاقُها. وقال الزجاج: النُّزل هاهنا الرَّيْع والفضل، يقال: هذا طعام له نُزْل ونُزُل، بتسكين الزاي وضمها؛ والمعنى: أذلك خير في باب الأنزال التي تُتَقوَّت ويمكن معها الإِقامة، أم نُزُل أهل النار؟! وهو قوله {أَمْ شجرةُ الزَّقُّومِ}.
واختلف العلماء هل هذه الشجرة في الدنيا، أم لا؟.
فقال قطرب: هي شجرة مُرَّة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر. وقال غيره: الزَّقُّوم ثمرة شجرة كريهة الطَّعم. وقيل: إِنها لا تُعرف في شجر الدنيا، وإنما هي في النار، يُكرَه أهلُ النار على تناولها.
قوله تعالى: {إِنَّا جعلْناها فتنة للظالمين} يعني للكافرين. وفي المراد بالفتنة ثلاثة أقْوال:
أحدها: أنه لما ذكر أنها في النار، افتُتنوا وكذَّبوا، فقالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تأكل الشجر؟! فنزلت هذه الآية، قاله قتادة. وقال السدي: فتنة لأبي جهل وأصحابه.
والثاني: أن الفتنة بمعنى العذاب، قاله ابن قتيبة.
والثالث: أن الفتنة بمعنى الاختبار اختُبروا بها فكذَّبوا، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {تَخْرُجُ في أَصْلِ الجَحيمِ} أي: في قَعْر النّار. قال الحسن: أصلُها في قَعْر النّار، وأغصانها ترتفع إلى دَرَكاتها {طَلْعُها} أي: ثمرها، وسُمِّي طَلْعاً، لطلوعة {كأنَّهُ رُؤوس الشياطينِ}.
فإن قيل: كيف شبَّهها بشيءٍ لم يُشاهَد؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه قد استقرَّ في النفوس قُبح الشياطين ـ وإِن لم تُشاهَد ـ فجاز تشبيهها بما قد عُلِمَ قُبحه. قال امرؤ القيس:
أيَقْتُلُنِي والمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأَنْيَاب أغْوالِ
قال الزجاج: هو لم ير الغُول ولا أنيابها، ولكن التمثيل بما يُستقبَح أبلغ في باب المذكّر أن يُمثَّل بالشياطين، وفي باب المؤنَّث أن يشبَّه بالغُول. والثاني: أن بين مكة واليمن شجر يسمى: رؤوس الشياطين، فشبَّهها بها، قاله ابن السائب.
والثالث: أنه أراد بالشياطين: حيّات لها رؤوس ولها أعراف، فشبَّه طلعها برؤوس الحيّات، ذكره الزجاج. قال الفراء: والعرب تسمِّي بعض الحيّات شيطاناً، وهو حيّة ذو عُرْف قبيحُ الوجه.
قوله تعالى: {فإنَّهم لآكلون منها} أي: من ثمرها {فمالئون منها البُطونَ} وذلك أنهم يُكْرَهون على أكَلها حتى تمتلىء بطونهم.
{ثُمَّ إنَّ لَهُمْ عليها لَشَوْباً من حَمِيمٍ} قال ابن قتيبة: أي: لَخلْطاً من الماء الحارِّ يشربونه عليها. قال أبو عبيدة: تقول العرب كلُّ شيء خَلَطْتَه بغيره فهو مشوب. قال المفسرون: إذا أَكلوا الزَّقُّوم ثم شربوا عليه الحميم، شابَ الحميمُ الزَّقُّوم في بطونهم فصار شَوْباً له.
{ثُمَّ إنَّ مَرْجِعهم} أي: بعد أكل الزَّقُّوم وشُرب الحميم {لإلى الجحيم} وذلك أن الحميم خارج الجحيم، فهُم يوردَونه كما تورَد الإبلُ الماءَ، ثم يُرَدُّونَ إلى الجحيم؛ ويدُلُّ على هذا قولُه:
{ يَطُوفون بَيْنَها وبَيْنَ حَميمٍ آنٍ } [الرحمن: 44]، و {ألْفَوْا} بمعنى وَجَدوا و {يُهْرَعُون} مشروح في [هود: 78]، والمعنى: أنهم يتَّبعون آباءَهم في سرعة {ولقد ضَلًَّ قَبْلَهم} أي: قَبْلَ هؤلاء المشركين {أكثرُ الأوَّلِينَ} من الأمم الخالية. قوله تعالى: {إِلاَ عِبادَ اللهِ المُخْلَصِينَ} يعني الموحِّدين، فإنهم نجوا من العذاب. قال ابن جرير: وإِنما حَسُن الاستثناء، لأن المعنى: فانْظُر كيف أهلكْنا المُنْذَرِين إلا عباد الله.