خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ
١٢
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ
١٣
إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ
١٤
وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ
١٥

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { كذَّبَتْ قَبْلَهم قومُ نُوحٍ } قال أبو عبيدة: قَوْمٌ من العرب يؤنِّثون "القوم"، وقوم يذكِّرون، فإن احتُجَّ عليهم بهذه الآية قالوا: وقع المعنى على العشيرة، واحتَجُّوا بقوله { { كَلاّ إِنّها تَذْكِرَةٌ } [عبس:11]، قالوا: والمُضْمَر مذكَّر.

قوله تعالى: { وفرعونُ ذو الأوتاد } فيه ستة أقوال:

أحدها: أنه كان يعذِّب الناس بأربعة أوتاد يَشُدُّهم فيها، ثُمَّ يرفع صخرة فتُلقى على الإِنسان فتَشْدَخُه، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وكذلك قال الحسن، ومجاهد: كان يعذِّب الناسَ بأوتاد يُوتِدُها في أيديهم وأرجُلهم.

والثاني: أنه ذو البِناء المُحْكَم، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال الضحاك، والقرظي، واختاره ابن قتيبة، قال: والعرب تقول: هُمْ في عزٍّ ثابتِ الأوتاد ومُلكٍ ثابتِ الأوتاد، يريدون أنه دائم شديد، وأصل هذا، أن البيت [من بيوتهم] يثبتُ بأوتاد، قال الأسود بن يَعْفُرَ:

[ولقد غَنُّوا فيها بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ] في ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتادِ

والثالث: أن المراد بالأوتاد: الجنودُ، رواه عطية عن ابن عباس، وذلك أنهم كانوا يَشُدُّونَ مُلكه ويُقَوُّون أمره كما يقوِّي الوَتِدُ الشيءَ.

والرابع: أنه كان يبني مَناراً يذبح عليها الناس.

والخامس: أنه كان له أربع أسطوانات، فيأخذ الرَّجُلَ فيمُدُّ كلَّ قائمة إِلى أُسْطوانة فيعذِّبه. روي القولان عن سعيد بن جبير.

والسادس: أنه كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يُلعَب له عليها، قاله عطاء، وقتادة.

ولمّا ذكر المكذّبين، قال: { أولئك الأحزابُ } فأعَلمنا أن مشركي قريش من هؤلاء، وقد عذِّبوا وأُهلكوا، { فَحَقَّ عِقَاِب }، أثبت الياء في الحالين يعقوب. { وما ينظرُ } أي: وما يَنتظر { هؤلاء } يعني كفار مكة { إلاَّ صَيْحَةً واحدة } وفيها قولان:

أحدهما: أنها النفخة الأولى، قاله مقاتل.

والثاني: النفخة الأخيرة، قاله ابن السائب.

وفي الفَواق قراءتان: قرأ حمزة، وخلف، والكسائي: بضم الفاء، وقرأ الباقون: بفتحها، وهل بينهما فرق أم لا؟ فيه قولان:

أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد، وهو معنى قول الفراء، وابن قتيبة، والزجاج. قال الفراء: والمعنى: مالها من راحة ولا إِفاقة، وأصله من الإِفاقة في الرضاع إذا ارتضعت البهيمة أُمَّها ثم تركتْها حتى تنزل شيئاً من اللَّبَن، فتلك الإفاقة، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العِيادةُ قَدْرُ فُواق ناقة" ومن يفتح الفاء، فهي لغة جيدة عالية، وقال ابن قتيبة: الفُواق والفَواق واحد، وهو أن تُحْلَبَ النّاقةُ وتُتركَ ساعةً حتى تُنزل شيئاً من اللَّبَن، ثم تُحْلَب، فما بين الحَلْبتين فواق، فاستعير الفواق في موضع المكث والانتظار. وقال الزجاج: الفُواق ما بين حلبتَي النّاقة، وهو مشتق من الرُّجوع، لأنه يَعُودُ اللَّبَن إلى الضّرع بين الحَلْبتين، يقال: أفاق من مرضه، أي: رَجَع إِلى الصِّحَّة.

والثاني: أن مَنْ فتحها، أراد: مالَها مِنْ راحة، ومن ضمَّها، أراد: فُواق الناقة، قاله أبو عبيدة.

وللمفسرين في معنى الكلام أربعة أقوال:

أحدها: مالها من رجعة، ثم فيه قولان.

أحدهما: مالها من ترداد، قاله ابن عباس، والمعنى: أن تلك الصيحة لا تُكَرَّرُ.

والثاني: مالها من رجوع إلى الدنيا، قاله الحسن، وقتادة، والمعنى: أنهم لا يعودون بعدها إلى الدنيا.

والثاني: ما لهم منها من إفاقة، بل تُهْلِكهم، قاله ابن زيد.

والثالث: مالها من فُتور ولا انقطاع، قاله ابن جرير.

والرابع: مالها من راحة، حكاه جماعة من المفسرين.