خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
٤
أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
٥
وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ
٦
مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ
٧
أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ
٨
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ
٩
أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ
١٠
جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ
١١

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وعَجِبوا } يعني الكفار { أَنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنْهُمْ } يعني رسولاً من أَنْفُسهم يُنْذِرُهم النَّارَ.

{ أجعل الآلهة إِِلهاً واحداً } لأنه دعاهم إلى الله وحده وأبطل عبادة آلهتهم؛ وهذا قولهم لمّا اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتُعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، وهي لا إِله إِلا الله" ، فقاموا يقولون: { أَجَعَلَ الآلهةَ إِلهاً واحداً } ونزلت هذه الآية فيهم. { إِنّ هذا } [الذي] يقول محمد من أن الآلهة إِله واحد { لَشَيءٌ عُجابٌ } أي: لأمرٌ عَجَبٌ. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: { عُجّابٌ } بتشديد الجيم. قال اللغويون: العُجَاب والعجّاب والعجيب بمعنى واحد، كما تقول: كَبِيرٌ وكُبَارٌ وكُبَّارٌ، وكَرِيمٌ وكُرامٌ وكُرَّامٌ، وطَوِيلٌ وطُوَالٌ وطُوَّالٌ؛ وأنشد الفراء:

جاؤوا عَجَبٍ مِنَ العَجَبْ أُزَيْرِقِ العينينِ طُوَّالِ الذَّنَبْ

قال قتادة: عجب المشركون أن دُعي اللهُ وَحْدَه وقالوا: أَيَسْمَعُ لِحاجاتنا جميعاً إِلهٌ واحد؟.

وقوله تعالى: { وانْطَلَقَ المَلأُ منهم } قال المفسرون: لمّا اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشَكَوا إِليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، نفروا من قوله: "لا إِله إِلا الله"، وخرجوا من عند أبي طالب، فذلك قوله { وانْطَلَقَ الملأُ منهم }. والانطلاق: الذّّهَابُ بسهولة، ومنه طَلاَقَةُ الوَجْه، والملأُ أشراف قريش، فخرجوا يقول بعضهم لبعض: { امْشُوا } و{ أن } بمعنى "أي"؛ فالمعنى: أي: امْشُوا. قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: انْطَلِقوا بأن امْشُوا، أي: انْطَلَقوا بهذا القول. وقال بعضهم: المعنى: انْطَلَقوا يقولون: امْشُوا إِلى أبي طالب فاشْكُوا إليه ابنَ أخيه، { واصبروا على آلهتكم } أي: اثبُتوا على عبادتها { إنّ هذا } الذي نراه من زيادة أصحاب محمد { لَشَيءٌ يُراد } أي: لأمرٌ يُرادُ بِنَا.

{ ما سَمِعْنا بهذا } الذي جاء به محمدٌ من التوحيد { في المِلَّة الآخِرةِ } وفيها ثلاثة أقوال:

أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإِبراهيم بن المهاجر عن مجاهد، وبه قال محمد بن كعب القرظي، ومقاتل.

والثاني: أنها مِلَّة قريش، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة.

والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج؛ والمعنى أن اليهود أشركت بعُزَير، والنصارى قالت: ثالث ثلاثة، فلهذا أنْكَرَتِ التوحيدَ.

{ إنْ هذا } الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، { إِلا اختلاقٌ } أي: كذب. { أَأُنزل عليه الذِّكر } يعنون القرآن. "عليه" يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، { مِنْ بينِنا } أي: كيف خُصَّ بهذا دونَنَا، وليس بأعلانا نَسَباَ ولا أعظمَنا شَرَفاَ؟! قال الله تعالى: { بَلْ هُمْ في شَكٍّ مِنْ ذِكْري } أي: من القرآن؛ والمعن: أنهم ليسوا على يقين ممّا يقولون، إِنما هم شاكُّون { بَلْ لَمّا } قال مقاتل: "لمّا" بمعنى "لم" كقوله { ولمّا يَدْخُلِ الإِيمانُ في قُلوبكم } [الحجرات:14]. وقال غيره: هذا تهديد لهم. والمعنى: أنه لو نزل بهم العذاب، علموا أن ما قاله محمدٌ حقٌّ. وأثبت ياء { عذابي } في الحالين يعقوب.

قال الزجاج: ولما دَلَّ قولُهم: { أَأُنْزِلَ عليه الذِّكْرُ } على حسدهم له، أعلم اللهُ عز وجل أن المُلْك والرِّسالة إِليه، فقال: { أَمْ عِنْدَهم خزائنُ رَحْمَةِ ربِّكَ }؟! قال المفسرون: ومعنى الآية: أبأيديهم مفاتيحُ النُّبوَّة فيضعونها حيث شاؤوا؟! والمعنى: ليست بأيديهم، ولا مُلْكُ السموات والأرض لهم. فإن ادّعَوْا شيئاً من ذلك { فَلْيَرْتَقُوا في الأَسبابِ }. قال سعيد بن جبير: أي: في أبواب السماء. وقال الزجاج: فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء.

قوله تعالى: { جُنْدٌ } أي: هُمْ جُنْدٌ. والجُند: الأَتباع؛ فكأنه قال: هُمْ أَتباعٌ مقلِّدون ليس فيهم عالِمٌ راشد. و{ ما } زائدة، و{ هنالك } إِشارة إِلى بدر. والأحزاب: جميع مَنْ تقدَّمهم من الكفار الذين تحزَّبوا على الأنبياء. قال قتادة: أخبر اللهُ نبيَّه وهو بمكة أنه سيَهْزِمُ جُند المشركين، فجاء تأويلُها يومَ بدر.