قوله تعالى: { إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه } اجتناب الشيء: تركه جانباً. وفي الكبائر أحد عشر قولاً.
أحدها: أنها سبع، فروى البخاري، ومسلم في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إِلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" . وقد روي هذا الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الكبائر سبع، الإِشراك بالله أولهن، وقتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم بداراً أن يكبروا، والفرار من الزحف، ورمي المحصنات، وانقلاب إلى أعرابية بعد هجرة" . وروي عن علي رضي الله عنه قال هي سبع، فعدّ هذه.
وروي عن عطاء أنه قال: هي سبع، وعدّ هذه، إِلا أنه ذكر مكان الإِشراك والتعرّب شهادة الزور وعقوق الوالدين.
والثاني: أنها تسع، روى عبيد بن عمير، عن أبيه، وكان من الصحابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ما الكبائر؟ فقال:
"تسع، أعظمهن الإِشراك بالله، وقتل نفس المؤمن بغير حق، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، والسحر، وأكل الرّبا، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً" . والثالث: أنها أربع: روى البخاري، ومسلم في «الصحيحين» من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الكبائِر: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس" . وروى أنس بن مالك قال:
"ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عنها، فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين" . وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو شهادة الزور" . وروي عن ابن مسعود أنه قال: الكبائِر أربع: الإِشراك بالله، والأمن لمكر الله، والقنوط من رحمة الله، والإِياس من روح الله. وعن عكرمة نحوه. والرابع: أنها ثلاث، فروى عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله، وعقوق الوالدين ـ وكان متكئا فاحتفز ـ قال: والزور" وروى البخاري، ومسلم في الصحيحين، من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، فقال: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين ـ وكان متكئا فجلس ـ فقال: وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. وأخرجا في «الصحيحين» من حديث "ابن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أكبر؟ قال: أن تجعل لله تعالى نداً وهو خلقك. قلت ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك" . والخامس: أنها مذكورة من أوّل السورة إِلى هذه الآية، قاله ابن مسعود، وابن عباس.
والسادس: أنها إِحدى عشرة: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات، وشهادة الزور، والسحر، والخيانة. روي عن ابن مسعود أيضا.
والسابع: أنها كل ذنب يختمه الله بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس.
والثامن: أنها كل ما أوجب الله عليه النار في الآخرة، والحدّ في الدنيا، روى هذا المعنى أبو صالح، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والتاسع: أنها كلُّ ما عُصي الله به، روي عن ابن عباس، وعبيدة، وهو قول ضعيف.
والعاشر: أنها كل ذنب أوعَدَ الله عليه النار، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك في رواية، والزجاج.
والحادي عشر: أنها ثمان، الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل المؤمن، وقذف المحصنة، والزنا، وأكل مال اليتيم، وقول الزور، واقتطاع الرجل بيمينه، وعهدِه ثمناً قليلاً. رواه مُحْرزِ، عن الحسن البصري.
قوله تعالى: { نكفّرْ عنكم سيئاتكم } روى المفضّل، عن عاصم: «يكفر» «ويدخلكم» بالياء فيهما، وقرأ الباقون بالنون فيهما، وقرأ نافع، وأبان، عن عاصم، والكسائي، عن أبي بكر، عن عاصم: «مَدخلاً» بفتح الميم هاهنا، وفي { الحج } وضم الباقون «الميم»، ولم يختلفوا في ضم «ميم»
{ { مُدخل صدق } [الإسراء:80] و { { مُخرج صدق } [الإسراء: 80] قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون «المدخل» مصدراً، ويجوز أن يكون مكاناً، سواءً فتح، أو ضمّ. قال السدي: السيئات هاهنا: هي الصغائِر. والمدخل الكريم: الجنّة. قال ابن قتيبة: والكريم: بمعنى: الشريف.