قوله تعالى: { ويومَ يُحْشَرُ أعداء الله } وقرأ نافع: "نَحْشُرُ" بالنون "أعداءً" بالنصب.
قوله تعالى: { فهم يُوزَعونَ } أي: يُحْبَس أوَّلهم على آخرِهم ليتلاحقوا.
{ حتَّى إذا ما جاؤوها } يعني النار التي حُشروا إليها { شَهِدَ عليهم سمعُهم وأبصارُهم وجلودُهم }، وفي المراد بالجلود ثلاثة أقوال:
أحدها: الأيدي والأرجل.
والثاني: الفروج، رويا عن ابن عباس.
والثالث: أنه الجلود نفسها، حكاه الماوردي. وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال:
"كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قال: قلنا: اللهُ ورسولهُ أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربَّه، يقول: يارب ألم تُجِرْني من الظُّلْم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: لا أُجيزُ عليَّ إلا شاهداً منِّي، قال: فيقول: كفى بنفْسك اليومَ عليكَ شهيداٍ، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُخْتَمُ على فِيه، فيقال لأركانه: انْطِقي، قال: فتَنْطقُ بأعماله، قال: ثُمَّ يُخَلَّى بينَه وبينَ الكلام، فيقول: بُعْداً لَكُنَّ وسُحْقاً، فعنكُنَّ كنتُ أًناضِل" . قوله تعالى: { قالوا أنطَقَنا اللهُ الذي أنطَق كُلَّ شيءٍ } أي: ممّا نطق. وهاهنا تم الكلام. وما بعده ليس من جواب الجلود.
قوله تعالى: { وما كنتم تَستترون أن يَشهد عليكم سمْعُكم ولا أبصارُكم } روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود قال: كنتُ مستتراً بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفرٍ، قرشيٌّ وخَتْناه ثقفيَّان، أو ثقفيٌّ وختَنْاه قرشيّان، كثيرٌ شّحْمُ بُطونهم، قليلٌ فِقْهُ قُلوبهم، فتكلَّموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أتُرَوْنَ اللهَ يَسْمَعُ كلامَنا هذا؟ فقال الآخران: إنّا إذا رفعنا أصواتنا سَمِعَه، وإن لم نَرفع لم يَسمع، وقال الآخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كُلَّه، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: { وما كنتم تَستترون أن يشهد عليكم سمعكم... } إلى قوله: { من الخاسرين } ومعنى "تستترون": تَسْتَخْفون "أن يَشهد" أي: من أن يشهد "عليكم سَمْعُكم" لأنكم لا تَقدرون على الاستخفاء من جوارحكم، ولا تظُنُّون أنها تَشهد { ولكن ظَنَنْتم أنَّ الله لا يَعلم كثيراً مما تَعملون } قال ابن عباس: كان الكفار يقولون: إن الله لا يَعلم ما في أنفُسنا، ولكنه يعلم ما يَظهر، { وذلكم ظنُّكم } أي: أن الله لا يَعلم ما تعملون، { أرداكم } أهلككم.
{ فإن يَصْبِروا } أي: على النّار، فهي مسكنهم، { وإن يَسْتَعْتِبوا } أي: يَسألوا أن يُرجَع لهم إلى ما يحبُّون، لم يُرْجَع لهم، لأنهم لا يستحقُّون ذلك. يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إيّاي. واستعتبتُه، أي: طلبتُ منه أن يُعْتِب، أي: يَرضى.
قوله تعالى: { وقيَّضْنا لهم قُرنَاءَ } أي: سبَّبنا لهم قرناء من الشياطين { فزيَّنوا لهم ما بين أيديهم وما خَلْفَهم } فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ما بين أيديهم: من أمر الآخرة أنه لا جنَّة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وما خَلْفَهم: من أمر الدنيا، فزيَّنوا لهم اللذّات وجمع الأموال وترك الإنفاق في الخير.
والثاني: ما بين أيديهم: من أمر الدنيا، وما خلفهم: من أمر الآخرة، على عكس الأول.
والثالث: ما بين أيديهم: ما فعلوه، وما خلفهم: ما عزموا على فعله. وباقي الآية [قد] تقدم تفسيره [الإسراء: 16] [الأعراف: 38].