قوله تعالى: { وما اختلفتم فيه من شيءٍ } أي: من أمر الدِّين؛ وقيل: بل هو عامّ { فحُكمه إِلى الله } فيه قولان.
أحدهما: علمه عند الله.
والثاني: هو يحكُم فيه. قال مقاتل. وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن بعضهم، فقال الله: أنا الذي أحكُم فيه { ذلكم اللهُ } الذي يحكُم بين المختلفين هو { ربِّي عليه توكلت } في مهمّاتي { وإِليه أُنيب } أي: أرجِع في المَعاد.
{ فاطرُ السموات } قد سبق بيانه [الأنعام:14]، { جعل لكم من أنفُسكم } أي: من مِثل خَلْقكم { أزواجاً } نساءً { ومن الأنعام أزواجاً } أصنافاً ذكوراً وإناثاً، والمعنى أنه خلق لكم الذَّكر والأنثى من الحيوان كلِّه { يذرؤكم } فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: يخلُقكم، قاله السدي.
والثاني: يُعيِّشكم، قاله مقاتل.
والثالث: يكثِّركم، قاله الفراء. و[في قوله] (فيه) قولان.
أحدهما: أنها على أصلها، قاله الأكثرون. فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج، قاله زيد بن أسلم. فعلى هذا يكون المعنى: يخلُقكم في بطون النساء، وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة، فقال: يخلُقكم في الرَّحِم أو في الزَّوج، وقال ابن جرير: يخلُقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيِّشكم فيما جعل لكم من الأنعام.
والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد؛ فعلى هذا يكون المعنى: يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض.
والثالث: أنها ترجع إلى الجَعْل المذكور؛ ثم في معنى الكلام قولان.
أحدهما: يعيِّشكم فيما جعل من الأنعام، قاله مقاتل.
والثاني: يخلُقكم في هذا الوجه الذي ذكر مِنْ جَعْلِ الأزواج قاله الواحدي.
والقول الثاني: أن "فيه" بمعنى "به"؛ والمعنى يكثرِّكم بما جعل لكم، قاله الفراء والزجاج.
قوله تعالى: { ليس كمثِّله شيءٌ } قال ابن قتيبة: أي ليس كَهُوَ شيء، والعرب تُقيم المِثْلَ مُقام النَّفْس، فتقول: مِثْلي لا يُقال له هذا، أي: أنا لا يُقال لي هذا. وقال الزجاج: الكاف مؤكِّدة، والمعنى: ليس مِثْلَه شيءٌ، وما بعد هذا قد سبق بيانه [الزمر: 63] [الرعد: 26] إلى قوله { شَرَعَ لكم } أي: بيَّن وأوضح { من الدِّين ما وصَّى به نُوحاً } وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة.
والثاني: تحريم الأخوات والأُمَّهات، قاله الحكم.
والثالث: التوحيد وترك الشِّرك.
قوله تعالى: { والذي أَوحينا إِليكَ } أي: من القرآن وشرائع الإِسلام قال الزجاج: المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصَّى به إبراهيم وموسى وعيسى وقوله: { أَن أَقيموا الدِّين } تفسير قوله: { ما وصَّينا به إِبراهيمَ وموسى وعيسى }، وجائز أن يكون تفسيراً لـ"ما وصَّى به نوحاً" ولقوله: { والذي أَوحينا إِليك } ولقوله: { وما وصَّينا به إِبراهيم وموسى وعيسى }، فيكون المعنى: شرع لكم ولِمَن قبلكم إقامة الدِّين وترك الفُرقة، وشرع الاجتماع على اتِّباع الرُّسل وقال مقاتل: { أن أَقيموا الدِّين } يعني التوحيد { ولا تتفرَّقوا فيه } أي: لا تختلفوا { كَبُرَ على المشركين } أي: عَظُمَ على مشركي مكة { ما تَدْعوهم إِليه } يا محمد من التوحيد.
قوله تعالى: { اللهُ يَجتبي إِليه } أي: يَصطفي من عباده لِدِينه { مَنْ يَشاءُ ويَهدي } إِلى دِينه { من يُنيبُ } أي: يَرجع إِلى طاعته.
ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاهم بترك الفُرقة، فقال: { وما تفرَّقوا } يعني أهل الكتاب { إلاَّ مِنَ بَعْدِ ما جاءهم العِلْمُ } فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: من بعد كثرة عِلْمهم للبغي.
والثاني: من بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال.
والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن، بغياً منهم على محمد صلى الله عليه وسلم.
{ ولولا كلمةٌ سَبَقَتْ مِنْ ربِّك } في تأخير المكذِّبين من هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، { لَقُضِيَ بينَهم } بإنزال العذاب على المكذِّبين { وإِنَّ الذين أًورثوا الكتاب } يعني اليهود والنصارى { مِنْ بعدِهم } أي: من بعد أنبيائهم { لفي شكٍّ منه } أي: من محمد صلى الله عليه وسلم.