قوله تعالى: { أَمْ لهم شركاءُ } يعني كفار مكة؛ والمعنى ألَهُمْ آلهةٌ { شَرَعوا } أي: ابتدعوا { لهم } دِيناً لم يأذن به الله؟! { ولولا كلمة الفصل } وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة { لقُضِيَ بينهم } في الدنيا بنزول العذاب على المكذِّبين. والظالمون في هذه الآية والتي تليها: يراد بهم المشركون. والإشفاق: الخوف. والذي كَسَبوا: هو الكفر والتكذيب، { وهو واقعٌ بهم } يعني جزاؤه. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: { ذلك } يعني: ما تقدم ذِكْره من الجنّات { الذي يُبَشِّر اللهُ عبادَه } قال أبو سليمان الدمشقي: "ذلك" بمعنى: هذا الذي أخبرتُكم به بشرى يبشِّر اللهُ بها عباده. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: "يَبْشَرُ" بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين.
قوله تعالى: { قُلْ لا أسألُكم عليه أجْراً } في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنه لما قَدِم المدينةَ كانت تَنُوبه نوائبُ وليس في يده سَعَةٌ، فقال الأنصار: إن هذا الرجُل قد هداكم اللهٌ به، وليس في يده سَعَةٌ، فاجْمَعوا له من أموالكم مالا يضرُّكم، ففعلوا ثم أتَوْه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا.
والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أتُرَون محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والهاء في "عليه" كناية عمّا جاء به من الهُدى.
وفي الاستثناء هاهنا قولان:
أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلاً أجراً. وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نُسخت هذه بقوله
{ { قُلْ ما سألتُكم مِنْ أجر فهوُ لكم... } الآية [سبأ: 47]، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل. والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يَسألون على تبليغهم أجراً؛ وإنما المعنى: لكنِّي أُذكّرُكم المَوَدَّةَ في القُرْبى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحقِّقين، وهو الصحيح، فلا يتوجَّه النسخ أصلاً.
وفي المراد بالقُربى خمسة أقوال.
أحدها: أن معنى الكلام: إلاّ أن تَوَدُّوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين. قال ابن عباس: ولم يكن بطنٌ من بطون قريش إلاّ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة.
والثاني: إلاّ [أن] تَوَدُّوا قرابتي، قاله عليّ بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي. ثم في المراد بقرابته قولان: أحدهما: عليّ وفاطمة وولدها، وقد رووه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنهم الذين تَحْرُم عليهم الصدقة ويُقْسَم فيهم الخُمُس، وهم بنو هاشم وبنو المطَّلِب.
والثالث: أن المعنى إلاّ أن تَوَدَّدوا إلى الله تعالى فيما يقرِّبكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن وقتادة.
والرابع: إلاّ أن تَوَدُّوني، كما تَوَدُّون قرابتَكم، قاله ابن زيد.
والخامس: إلاّ أن تَوَدُّوا قرابتَكم وتصِلوا أرحامَكم، حكاه الماوردي. والأول: أصح.
قوله تعالى: { ومَنْ يَقْتَرِفْ } أي: مَنْ يَكْتَسِبْ { حَسَنَةً نَزِدْ له فيها حُسْناً } أي: نُضاعفْها بالواحدة عشراً فصاعداً. وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري: "يَزِدْ له" له بالياء { إِن الله غفورٌ } للذُّنوب { شَكورٌ } للقليل حتى يضاعفَه.
{ أم يقولون } أي: بل يقول كفار مكة { افترى على الله كَذِباً } حين زعم أن القرآن من عند الله! { فإن يشِأ اللهُ يَخْتِمْ على قلبك } فيه قولان.
أحدهما: يَخْتِم على قلبك فيُنسيك القرآن، قاله قتادة.
والثاني: يَرْبِط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يَشُقّ عليك قولهم: إنك مفترٍ، قاله مقاتل والزجاج.
قوله تعالى: { ويَمْحُ اللهُ الباطلَ } قال الفراء: ليس بمردود على "يَخْتِمْ" فيكونَ جزماً، وإنما هو مستأنَف، ومثله ممّا حُذفتْ منه الواو
{ { ويَدْعُ الإِنسانُ بالشِّرِّ } } [الإسراء: 11] وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير. تقديره: والله يمحو الباطل. وقال الزجاج: الوقف عليها "ويمحوا" بواو وألف؛ والمعنى: واللهُ يمحو الباطل على كل حالٍ، غير أنها كُتبتْ في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكُتبتْ على الوصل، ولفظ الواو ثابت؛ والمعنى: ويمحو اللهُ الشِّرك ويُحِقُّ الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم.