خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
٣١
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٣٢
وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ
٣٣
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ
٣٤
وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ
٣٥
-الزخرف

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { وقالوا لولا } أي: هلاّ { نُزِلَ هذا القرآنُ على رجل من القريتين عظيمٍ } أمّا القريتان، فمكَّة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة؛ وأمّا عظيم مكَّة، ففيه قولان:

أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، [وبه قال قتادة، والسدي].

والثاني: عُتبة بن ربيعة، قاله مجاهد. وفي عظيم الطائف خمسة أقوال.

أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد وبه قال قتادة.

والرابع: [أنه] ابن عَبْد ياليل، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.

والخامس: كنانة بن عبد [بن] عمرو بن عمير الطائفي، قاله السدي.

فقال الله عز وجل ردّاً عليهم وإِنكاراً { أَهُمْ يَقْسِمون رحمةَ ربِّكَ } يعني النُّبوَّة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا.

{ نحن قَسَمْنا بينهم معيشتهم } المعنى أنه إِذا كانت الأرزاق بقَدَر الله، لا بحول المحتال ـ وهو دون النُّبوَّة ـ فكيف تكون النًّبوَّة؟! قال قتادة: إِنك لَتَلْقَى ضعيفَ الحِيلة عَييَّ اللِّسان قد بُسِطَ له الرِّزْقُ، وتَلْقَى شديدَ الحِيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه.

قوله تعالى: { ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ } فيه قولان.

أحدهما: بالغنى والفقر.

والثاني: بالحرية والرق { لِيَتَّخِذَ بعضُهم بعضاً سُخْرِيّاً } وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: "سِخْرِيّاً" بكسر السين. ثم فيه قولان:

أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فَيَلْتَئِمُ قِوامَ العالَم، وهذا على القول الأول.

والثاني: ليملك بعضُهم بعضاً بالأموال فيتَّخذونهم عبيداً، وهذا على الثاني.

قوله تعالى: { ورَحْمَةُ ربِّكَ } فيها قولان:

أحدهما: النًّبوَّة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس.

والثاني: الجنة خير ممّا يجمعون في الدنيا، قاله السدي.

قوله تعالى: { ولولا أن يكون الناسُ أُمَّةً واحدةً } فيه قولان:

أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس.

والثاني: على إِيثار الدنيا على الدِّين، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { لَجَعَلْنا لِمَن يكفرُ بالرَّحمن لِبُيوتهم سُقُفاً من فِضَّة } لهوان الدنيا عندنا. قال الفراء: إن شئتَ جعلتَ اللاّم في "لِبُيوتهم" مكرَّرة كقوله: { { يسألونك عن الشَّهْر الحرام قِتالٍ فيه } } [البقرة: 217]، وإِن شئتَ جعلتَها بمعنى "على"، كأنه قال: جَعَلْنا لهم على بُيوتهم، تقول للرجل: جعلتُ لك لقومك الأُعطية، أي: جعلتُها من أجلك لهم. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: { سَقْفاً } على التوحيد. وقرأ الباقون { سُقُفاً } بضم السين والقاف جميعاً.

قال الزجاج: والسَّقف واحد يدلُّ على الجمع؛ فالمعنى: جعلْنا لبيتِ كلِّ واحد منهم سقفاً من فِضَّة { ومعارجَ } وهي الدَّرَج؛ والمعنى: وجعلْنا معارج من فِضَّة، وكذلك "ولِبُيوتهم أبواباً" أي: من فِضَّة "وسُرُراً" أي: من فِضَّة.

قوله تعالى: { عليها يَظْهَرونَ } قال ابن قتيبة: أي: يَعْلُون، يقال: ظَهَرْتُ على البيت إذا علَوْت سطحه.

قوله تعالى: { وزُخْرُفاً } وهو الذهب؛ والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهباً وغنىً { وإِنْ كُلُّ ذلك لَما متاعُ الحياة الدُّنيا } المعنى: لَمَتاع الحياة الدنيا، و"ما" زائدة. وقرأ عاصم، وحمزة: "لَمّا" بالتشديد، فجعلاه بمعنى "إِلاّ"؛ والمعنى: إِنّ ذلك يُتمتَّع به قليلاً ثم يزول { والآخرة عند ربِّك للمتَّقين } خاصةً لهم.