خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ
١٧
أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
١٨
وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
١٩
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ
٢٠
وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ
٢١
فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ
٢٢
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ
٢٣
وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ
٢٤
كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
٢٥
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
٢٦
وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ
٢٧
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ
٢٨
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ
٢٩
-الدخان

زاد المسير في علم التفسير

قوله تعالى: { ولقد فتَنّا } أي ابتَلَينا { قَبْلَهم } أي: قَبْلَ قومك { قومَ فرعون } بارسال موسى إِليهم { وجاءهم رسولٌ كريمٌ } وهو موسى بن عمران.

وفي معنى { كريم } ثلاثة أقوال.

أحدها: حسن الخُلُق، قاله مقاتل.

والثاني: كريم على ربِّه، قاله الفراء.

والثالث: شريفٌ وسيطُ النسب، قاله أبو سليمان.

قوله تعالى: { أن أدُّوا } أي: بان أدُّوا { إِليَّ عبادَ الله } وفيه قولان:

أحدهما: أدُّوا إلى ما أدعوكم إليه من الحق باتِّباعي، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس. فعلى هذا ينتصب { عبادَ الله } بالنداء قال الزجاج: ويكون المعنى أن أدُّوا إِليَّ ما آمُركم به يا عباد الله.

والثاني: أرسِلوا معي بني إِسرائيل، قاله مجاهد، وقتادة، والمعنى: أطلِقوهم من تسخيركم، وسلِّموهم إِليَّ.

{ وأن لا تَعْلُوا على الله } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: لا تفتروا عليه، قاله ابن عباس.

والثاني: لا تعتوا عليه، قاله قتادة.

والثالث: لا تعظَّموا عليه، قاله ابن جريج { إنِّي آتيكم بسلطان مبين } أي: بحجة تدل على صدقي.

فلمّا قال هذا تواعدوه بالقتل فقال: { وإِنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم أن ترجُمونِ } وفيه قولان.

أحدهما: أنه رجم القول، قاله ابن عباس؛ فيكون المعنى: أن يقولوا: شاعر أو مجنون.

والثاني: القتل، قاله السدي. { وإِن لم تؤمِنوا لي فاعتزلونِ } أي: فاتركوني لا معي ولا علَيَّ، فكفروا ولم يؤمنوا { فدعا ربَّه أنَّ هؤلاء } قال الزجاج: من فتح { أنَّ } فالمعنى: بأن هؤلاء؛ ومن كسر، فالمعنى: قال: إِن هؤلاء، { وإِنّ } بعد القول مكسورة. وقال المفسرون: المجرمون. هاهنا: المشركون.

فأجاب اللهُ دعاءه، وقال { فأسْرِ بعبادي ليلاً } يعني بالمؤمنين { إِنكم متَّبَعونَ } يتبعكم فرعون وقومه؛ فأعلمهم أنهم يتبعونهم، وأنه سيكون سبباً لغرقهم.

{ واترُكِ البحر رَهْواً } أي ساكناً على حاله بعد أن انفرق لك، ولا تأمره أن يرجع كما كان حتى يدخُلَه فرعون وجنوده. والرَّهْو: مشيٌ في سُكون.

قال قتادة: لمّا قطع موسى عليه السلام البحر، عطف يضرب البحر بعصاه ليلتئم، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده، فقيل [له]: "واترك البحر رَهْواً"، أي كما هو ـ طريقاً يابساً.

قوله تعالى: { إِنهم جُنْدٌ مُغْرَقون } أخبره الله عز وجل بغرقهم لِيَطْمَئِنَّ قلبُه في ترك البحر على حاله.

{ كم تَرَكوا } أي: بعد غرقهم { مِنْ جَنَّاتٍ } وقد فسرنا الآية في [الشعراء:57]. فأما "النَّعمة" فهو العيش اللَّيِّن الرغد. وما بعد هذا قد سبق بيانه [يس:55] إِلى قوله: { وأَوْرَثْناها قوماً آخَرين } يعني بني إسرائيل.

{ فما بَكَتْ عليهم السماءُ } أي: على آل فرعون وفي معناه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه على الحقيقة؛ روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما مِنْ مُسْلِمٍ إٍلاّ وله في السماء بابان، باب يصعَدُ فيه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه" وتلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية. وقال علي رضي الله عنه: إِن المؤمن إذا مات بكى عليه مُصَلاّه من الأرض ومَصْعَد عمله من السماء، وإِن آل فرعون لم يكن لهم في الأرض مُصَلّى ولا في السماء مَصْعَد عمل، فقال الله تعالى: { فما بَكَتْ عليهم السماء والأرض }، وإِلى نحو هذا ذهب ابن عباس، والضحاك، ومقاتل، وقال ابن عباس: الحُمرة التي في السماء: بكاؤها. وقال مجاهد: ما مات مؤمن إِلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً، فقيل له: أو تَبكي؟ قال: وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟!. وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره، فيها دَويّ كَدَويَّ النحل؟!.

والثاني: أن المراد: أهل السماء وأهل الأرض، قاله الحسن، ونظير هذا قوله تعالى: { { حتى تَضَعَ الحربُ أوزارَها } [محمد: 4]، أي: أهل الحرب.

والثالث: أن العرب تقول: إِذا أرادت تعظيمَ مَهِلكِ عظيمٍ:أظلمت الشمسُ له، وكَسَفَ القمرُ لفقده، وبكتْه الرّيحُ والبرقُ والسماءُ والأرضُ، يريدون المبالغة في وصف المصيبة، وليس ذلك بكذب منهم، لأنهم جميعاً متواطئون عليه، والسّامِعُ له يَعرف مذهبَ القائل فيه؛ ونيَّتُهم في قولهم: أظلمت الشمسُ كادت تُظْلِم، وكَسَفَ القمرُ: كاد يَكْسِف، ومعنى "كاد": هَمَّ أن يَفعَل ولم يفعل؛ قال ابن مُفَرِّغ يرثي رجلاً:

الرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَهُ والبَرْقُ يَلْمَعُ في غَمامَهْ

وقال الآخر:

الشَّمْسُ طالِعَةٌ لَيْسَتْ بكاسِفةٍ تَبْكِي عَلَيْكَ ـ نُجُومَ اللَّيْلِ والْقَمَرا

أراد: الشمسُ طالعةٌ تبكي عليه، وليست مع طلوعها كاسِفةً النجومَ والقمرََ، لأنها مُظْلِمةٌ، وإِنما تَكْسٍفُ بضوئها، فنجُومُ الليل باديةٌ بالنهار، فيكون معنى الكلام: إن الله لمّا أهلك قوم فرعون لم يبك عليهم باكٍ، ولم يَجْزَعْ جازعٌ، ولم يوجد لهم فَقْدٌ، هذا كلُّه كلامُ ابن قتيبة.