قوله تعالى: { وإِذ قال الله يا عيسى بن مريم } في زمان هذا القول قولان.
أحدهما: أنه يقول له يوم القيامة، قاله ابن عباس، وقتادة، وابن جريج.
والثاني: أنه قاله له حين رفعه إِليه، قاله السدي، والأول أصح.
وفي إِذْ ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها زائِدة، والمعنى: وقال الله، قاله أبو عبيدة.
والثاني: أنها على أصلها، والمعنى: وإِذ يقوله الله له، قاله ابن قتيبة.
والثالث: أنها بمعنى: «إِذا»، كقوله:
{ ولو ترى إِذ فزعوا } [سبأ: 51] والمعنى: إِذا. قال أبو النجم:ثم جزاكَ الله عنِّي إِِذ جزى جنَّاتِ عَدْنٍ في السموات العلا
ولفظ الآية لفظ الاستفهام، ومعناها التوبيخ لِمن ادّعى ذلك على عيسى. قال أبو عبيدة: وإِنما قال: «إِلهين»، لأنهم إِذ أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى [غُلِّب فعل الذكر] ذكَّروهما. فإن قيل: فالنصارى لم يتخذوا مريم إلهاً، فكيف قال الله تعالى ذلك فيهم؟ فالجواب: أنهم لما قالوا: لم تلد بشراً، وإِنما ولدت إِلهاً، لزمهم أن يقولوا: إِنها من حيث البعضية بمثابة مَن ولدته، فصاروا بمثابة من قاله. قوله تعالى: { قال سبحانك } أي: براءة لك من السوء { ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } أي: لست أستحق العبادة، فأدعو الناس إِليها. وروى عطاء بن السائب عن ميسرة قال: لما قال الله تعالى لعيسى: { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } رُعِد كل مَفْصِل منه حتى وقع مخافة أن يكون قد قاله، وما قال: إِني لم أقل، ولكنه قال: { إِن كنت قلته فقد علمته } فإن قيل: ما الحكمة في سؤال الله تعالى له عن ذلك وهو يعلم أنه ما قاله؟ فالجواب: أنه تثبيت للحجة على قومه، وإِكذاب لهم في ادّعائهم عليه أنه أمرهم بذلك، ولإِنه إِقرارٌ من عيسى بالعجز في قوله: { ولا أعلم ما في نفسك } وبالعبودية في قوله: { أن اعبدوا الله ربي وربكم }.
قوله تعالى: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } قال الزجاج: تعلم ما أُضمره، ولا أعلم ما عندك علمُه، والتأويل: تعلم ما أعلم وأنا لا أعلم ما تعلم.