قوله تعالى: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } سبب نزولها: أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر، إِذ كانت مباحة، فلما حرِّمت، قال ناس: كيف بأصحابنا وقد ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية، قاله البراء بن عازب. و«الجناح»: الإِثم. وفيما طعموا ثلاثة أقوال.
أحدها: ما شربوا من الخمر قبل تحريمها، قاله ابن عباس، والجمهور. قال ابن قتيبة: يقال: لم أطعم خُبْزاً وأدماً ولا ماءً ولا نوماً. قال الشاعر:
فإن شئتِ حرَّمتُ النِّساء سِواكُم وإِن شئتِ لم أطْعَمْ نُقَاخاً ولا بَرْدَا
النقاخ: الماء [البارد] الذي ينقخ الفؤاد ببرده، والبرد: النوم. والثاني: ما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر.
والثالث: ما طعموا من المباحات. وفي قوله: { إِذا ما اتقوا } ثلاثة أقوال.
أحدها: اتقوا بعد التحريم، قاله ابن عباس.
والثاني: اتقوا المعاصي والشرك.
والثالث: اتقوا مخالفة الله في أمره. وفي قوله: { وآمنوا } قولان.
أحدهما: آمنوا بالله ورسوله.
والثاني: آمنوا بتحريمها. { وعملوا الصالحات } قال مقاتل: أقاموا على الفرائض.
قوله تعالى: { ثم أتقوا } في هذه التقوى المعادة أربعة أقوال.
أحدها: أن المراد خوف الله عز وجل.
والثاني: أنها تقوى الخمر والميسر بعد التحريم.
والثالث: أنها الدوام على التقوى.
والرابع: أن التقوى الأولى مخاطبة لمن شربها قبل التحريم، والثانية لمن شربها بعد التحريم.
قوله تعالى: { وآمنوا } في هذا الإِيمان المُعاد قولان.
أحدهما: صدَّقوا بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
والثاني: آمنوا بما يجيء من الناسخ والمنسوخ.
قوله تعالى: { ثم اتقوا وأحسنوا } في هذه التقوى الثالثة أربعة أقوال.
أحدها: اجتنبوا العودَ إِلى الخمر بعد تحريمها، قاله ابن عباس.
والثاني: اتقوا ظلم العباد.
والثالث: توقوا الشبهات.
والرابع: اتقوا جميع المحرّمات.
وفي الإِحسان قولان. أحدهما: أحسنوا العمل بترك شربها بعد التحريم، قاله ابن عباس. والثاني: أحسنوا العمل بعد تحريمها، قاله مقاتل.